"كنداكات" السودان وكرة القدم
بالرغم من تاريخ رياضة كرة القدم السودانية العريق وتأسيس نوادي القمة الكروية وإنشاء الاتحاد السوداني لكرة القدم منذ خمسينيات القرن الماضي إلا أنه حتى دخول الألفية الثالثة كان مجرد التفكير أو تخيل قيام فريق كرة قدم للسيدات من المستحيلات في المجتمع السوداني المحافظ والذي تمنع أعرافه ممارسة النساء لكرة القدم.
وأيضًا طوال التاريخ السياسي السوداني منذ الاستقلال وحتى يومنا هذا لم ينعم السودان بحكومات منفتحة مع تناول السيدات لرياضة كرة القدم؛ تحديدًا رغمًا عن انخراط النساء منذ الثمانينيات في التشجيع والوقوف خلف أندية القمة السودانية.
تم تأسيس أول فريق كرة قدم للسيدات على ملاعب كمبوني بوسط العاصمة السودانية الخرطوم، مكّن “الكنداكات” من ركل كرة القدم وتحدي عوائق المجتمع التي كانت ترى في ممارسة المرأة لمثل هذه الرياضات ضربًا من “العيب”.
منذ ذلك الحين وإلى الآن وصل عدد الفرق النسائية السودانية إلى 23 فريقًا في كل ولايات السودان. الكنداكات لقب يُطلق على الملكات الحاكمات في ممالك السودان النوبية القديمة.
إذن ووسط حماس كبير من “الكنداكات” لممارسة اللعبة نجح المدرب جوزيف إسكوباس ومساعده مايكل أركانجلو في تكوين فريق “التحدي” كأول فريق كرة قدم نسائي في عام 2001 وكانت سارة إدوارد أول كابتن للفريق؛ لكن لم يسمح الاتحاد العام لفريق التحدي بممارسة اللعبة إلا بعد أن خاطبه “الكاف” والاتحاد الدولي “فيفا” رسميًا طالبين منه السماح لهن باللعب.
ورغم تحفظ نظام المعزول عمر البشير آنذاك على النشاط الرياضي للسيدات؛ لكنه تحت ضغط الفيفا” و“الكاف” سُمِح لسارة إدوارد وزميلاتها في عام 2014 بممارسة اللعبة؛ لكن “في أجواء منضبطة مراعية للقيم والعادات السودانية” كما اشترطت أيضًا ارتداء اللاعبات الزي المحتشم.
تقول كابتن سارة في تصريح خاص لـ "winwin": "واجهت ممارسة لعبة كرة القدم النسائية السودانية وعلى وجه الخصوص فريق التحدي مشاكل عظيمة متمثلة أولًا في عدم اعتراف الدولة بالنشاط الرياضي النسائي، وثانيًا في عدم توفر البيئة المساعدة من المعدات والملاعب المجهزة بالحمامات وغرف الغيار، وانتهاء بتعرضنا للمضايقات من أجهزة الدولة الأمنية".
وأضافت: "تنقلنا بين ملاعب الكمبوني ونادي الأملاك بحري والحديقة الدولية ومدينة الطفل ثم استفدنا من المساحات المفتوحة خلف مطار الخرطوم الدولي للتمارين وهذا ما لفت نظر الأجهزة الأمنية لنا وعرضنا لمضايقاتهم بسبب لبسنا للسراويل الرياضية القصيرة بدلًا عن البدلة الكاملة Training Tracksuits رغمًا عن طقس السودان الحار".
وتستطرد كابتن سارة إدوارد لــ"winwin": "إنه ومع تواصل ضغط "الكاف" و"الفيفا" على الاتحاد العام لكرة القدم السوداني بضرورة السماح بتكوين فرق كرة قدم للسيدات قام الأستاذ كمال شداد رئيس الاتحاد في عام 2002 بتنظيم مباراة نسائية استعراضية بالحديقة الدولية ودعى قناة الجزيرة والصحف الرياضية لتغطيتها".
ووواصلت قائلة: "لكن وبانتهاء المباراة الاستعراضية لم يهتم بنا الاتحاد العام ولم يوفر لنا الملاعب والمعدات مما دفعنا لطلب الدعم من المنظمات الأهلية غير الحكومية والتي وجدنا منها الدعم كله لفريق التحدي مثل منظمة “رؤيا” التي أنتجت لنا فيلم Khartoum Offside عن رياضة كرة القدم النسائية من إخراج مروة الزين، أيضًا الوكالة الأمريكية وجامعة الأحفاد ساعدونا بمشروع لمدة ستة شهور بعنوان “نشر ثقافة كرة القدم النسوية” ومثل هذه المشاريع تدعمنا كانت باللبس والمعدات".
طريق وعر وطويل من المعاناة لتأسيس كرة قدم نسائية في السودان بدأ منذ فترة حكم نظام جعفر النميري في ثمانينيات القرن الماضي، واستمر الحلم في الأذهان حتى تكوين فريق التحدي في ظل نظام البشير.
وقوبلت كل تلك المبادرات بالرفض أو القمع والتضييق على اللاعبات من قبل الأجهزة الأمنية ومن قبل الاتحاد العام لكرة القدم السودانية.
وتقول سارة إدوارد إن الفيفا والكاف يدفعان ميزانيات مالية للاتحاد العام السوداني للاهتمام وتطوير منشط كرة القدم النسائية؛ لكن الاتحاد العام لا يدفع لنا منها ويستخدمها في بنود مختلفة من بينها الصرف على المنتخب الرجالي لكرة القدم.
ومثل السودان في العام 2021 أول منتخب نسائي في البطولة العربية للسيدات بمصر وبالطبع لم يحرز الفوز في ظل الظروف السابقة في أي مباراة خارجية بل تعرض لهزائم قاسية؛ لكن اللاعبات بمعاييرهن انتصرن انتصارًا كبيرًا بتأسيس الاتحاد النسائي لكرة القدم في عام 2019 بعد سقوط نظام عمر البشير، وفي ظل أول حكومة انتقالية كانت وزيرة الرياضة بها سيدة سودانية.
وفي ظل الحرب الحالية لا أرى بالطبع مستقبلًا لكرة قدم سيدات السودان؛ لكن أتمنى بعد أن تضع الحرب أوزارها أن تحظى باهتمام من الاتحاد العام لكرة القدم السوداني بتوفير التدريب والملاعب والمعدات لهن، وأن تتواصل رياضة كرة القدم النسائية من حيث وقفت، اتحاد كرة قدم نسائي ووزيرة رياضة كما حدث في 2019.