مهارة النبيّ صلى الله عليه وسلّم في استخدام الرّمح والحربة

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-27 12:12
صورة تعبيرية - استخدام الرماح في العصور الإسلامية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

التدرّب على استخدام الرّماح والحِراب من فنون الرياضة المعاصرة وهو لا يزال متوارثًا من القديم وتتعاقب عليه الأجيال؛ لأنّه يجمع بين الرياضة والتدرّب على القوّة ومواجهة العدوّ.

اللّافت في حياة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- أنّه لم يقاتل بيده أحدًا إلّا رجلًا واحدًا في كلّ حياته رغم كلّ الحروب والمعارك التي خاضها -صلى الله عليه وسلّم- وهذا الرّجل هو أُبيّ بن خلف.

وأُبَيّ بن خلف هذا من أكابر المجرمين الذين كانوا يعادون ويحاربون النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- وكان يلقى رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- بمكة فيقول: يا محمد إن عندي العودَ "اسم فرسه" أعلفه كل يوم فَرَقا من ذرة، أقتلك عليه، فيقول رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-: "بل أنا أقتلك إن شاء الله"

ولمّا كان يوم أحد وحين حُوصر رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- في الشِّعب فأدركه أبي بن خلف وهو يقول: أين محمد؟ لا نجوت إن نجا؟ فقال القوم من أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلّم-: يا رسول الله أيعطف عليه رجل منا؟ أي هل يواجهه أحدٌ منّا فنكفيك أمره؟ فقال رسول الله -صلّى الله عليه وسلم-: "دعوه"، فلمّا دنا منه تناول رسول الله -صلّى الله عليه وسلم- "الحربة"، وفي رواية "الرّمح" من الحارث بن الصمّة، فلما أخذها منه انتفض انتفاضةً تطايروا عنه تطاير الشعر عن ظهر البعير إذا انتفض، وهذا تصويرٌ دقيق لشدّة لياقته -صلى الله عليه وسلّم- وخفّة حركته وقوّة بدنه وسرعة مبادرته، وهذا علامة على قوّة بدنيّة مع تركيز ذهنيّ بالغ.

ثم استقبله، وأبصر ترقوته من فرجة بين سابغة الدرع والخوذة، فطعنه فيها طعنة تدأدأ أي تدحرج منها عن فرسه مرارًا، ولك أن تتخيّل المشهد، رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- أمام فارسٍ مغطى بالحديد الذي يحميه من السّيوف والرّماح والسّهام والحراب، ولا يظهر منه للمقاتل الذي يقابله شيءٌ غير أنّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أبصر موضعًا بالغ الصّغر باديًا وهو الترقوة وهو عظم في أعلى الصدر أسفل العنق، فأرسل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الرّمح القصير ويسمى أيضًا الحربة فأصاب هذا الموضع الظاهر بدقّة بالغة، وتسببت الإصابة في أن يسقط أبيّ بن خلف عن فرسه ويتدحرج على الأرض عدّة مرّات.

فلما رجع أبيّ بن خلف إلى قريش وقد خدشه في عنقه خدشًا غير كبير، فلم تنفذ الحربة أو الرمح في بدنه غير أنّها أصابته برضّ داخليّ لم يكن باديًا للعيان فاحتقن الدم وقال: "قتلني والله محمد": فقال له قومه من المشركين بسخرية واستهزاء: "ذهب والله فؤادك" أي انقطع قلبك من الخوف، والله إن بك من بأس، أي ليس بك شيء لكنك خائر خوّاف، فقال لهم: "إنّه قد كان قال لي بمكة: أنا أقتلك؛ فوالله لو بصق عليّ لقتلني، وفي هذا دلالة على ما كان يوقن به المشركون من صدق النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- على الرّغم من عدائهم له، فكانوا يصدّقونه فيما يقول أكثر ممّا يصدّقون أنفسهم.

وفي رواية أبي الأسود عن عروة: أنه كان يخور خوار الثور، وذلك من شدّة الألم الذي حلّ ببدنه نتيجة ضربة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- ويقول: والذي نفسي بيده لو كان الذي بي بأهل ذي المجاز لماتوا جميعًا، فمات عدوّ الله بسَرف وهو موضع بين أحد ومكّة المكرمة، وهم قافلون به إلى مكة.

هذه الحادثة تدلّ دلالةً واضحةً على شدة لياقة النبيّ -صلى الله عليه وسلّم- البدنيّة وقد كان يبلغ حينها من العمر ستًا وخمسين سنة، وتدلّ أيضًا على قوّته البدنيّة، وشدّة تركيزه ومهارة تصويبه وتسديده صلوات ربّي وسلامه عليه.

شارك: