رياضة اللعب بالحِراب والرّماح.. حديثٌ عن معاني الرّمح

تحديثات مباشرة
Off
2023-04-28 17:49
أرشيفية- رمح يطير في الهواء خلال مسابقات محلية بمدينة ليفركوزن الألمانية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الرّمح أحد أشهر الأسلحة القديمة والأساسية التي استخدمها العرب قبل الإسلام وبعده، وكان الرمح يلازم السيف في كثير من المواقع ويطلق عليه أيضًا القنا وجمعها قنًا وقني وقنوات.

والرمح؛ جمعه رمَاح وأرْماح، وتقول العرب رجل رمّاح أي صانع للرماح ومتخذ لها وحرفته، والرامح هو الحامل له، ويختلف الاسم على حسب طول الرمح، الطويل منها يسمى المطّرح، أمّا قصيرها فهو المطّرد وهو الذي يستخدم في الصّيد عادة.

ولقد وقع الخلط بين الحراب والرماح في المعنى والماهيّة عند المتأخرين، وذلك لأسباب منها؛ أنّ اسم الرمح أصبح اسم جنس، فأدخل أصحاب المعاجم تحته ما ليس من الرماح حتى العُصي، وأنّ اسم الحربة يحمل وصفًا لغويًّا، فدخل تحته كلُّ حادّ مُذرّب من الرماح وغيرها.

وكذلك لا بدّ عند تحرير معنى الرّمح أن نفرّق بينه وبين السّهم؛ فالسهم يتكون من ثلاثة أجزاء رئيسة؛ رأس السهم، الذي يصنع غالبًا من المعدن، والنّصل، والثلم.

والسَّهم والنبل والنشاب؛ أسماء لشيء واحد، وهو عودٌ رفيعٌ من شجر صلب في طول الذراع تقريبًا، يأخذه الرّامي فينحته ويسوّيه، ثم يفرض فيه فِراضًا دائرية، ليركب فيها الريش، ويشده عليها بالجلد المتين أو يلصقه بالغراء ويربطه ثم يركب في قمته نصلًا من حديدٍ مدبّب، له سنتان في عكس اتجاهه، يجعلانه صعب الإخراج إذا نشب في الجسم.

وأجود الخشب للقوس والسهم ما اجتمع في الصلابة والخفة ورقة البشرة وصفاء الأديم، وكان طويل العرق غير رخوٍ ولا متنفِّش.

والقوس للرّامي كالبندقية، والأسهم كطلقاتها، ولا بد للرّامي من أن يحتفظ في كِنانته بعدد من الأسهم عند القتال.

أمّا الرُّمح؛ فيتخذ من فروع أشجار صلبة، وهو سلاح عريق في القدم، شاع استعماله عند الشعوب القديمة، وكان أكثر شيوعًا عند الأمم التي ترتاد الصحراء، ومنهم العرب كما ذكرنا آنفًا.

وكان للرماح أطوال مختلفة، تتراوح بين الأربع أذرع والخمسة والعشرة وما فوقها، والرّماح الطّوال خاصة بالفرسان؛ حيث تساعدهم الخيل على حملها، أما النيازك أو المطارد وهي الرّماح القصيرة فقد يستعملها الراجل والفارس أيضًا.

والحربة والنّيزك والمزراق والمطرد والعَنَزة، كلها أسماء لشيء واحد، وهي القصار من الرماح التي لم تبلغ أربعة أذرع، وهي أشبه شيءٍ بالعصا.

وطريقة حمل الرمح، كانت في الغالب؛ الاعتقال، وهو خاصّ بالفرسان، وهو جعل الرّمح بين الرّكاب والسَّاق، بحيث يكون النّصل لأعلى والزجّ لأسفل، أما قريش فكانوا يحملون رماحهم على عواتقهم.

ومن الطبيعي أن يكون للرّمح حضور باذخ في أشعار العرب وهم يتغنون ببطولاتهم ويتغزلون بأحد أحب أسلحتهم؛ ففي شعر العرب قديمًا وحديثًا كان الفارس لا يقدِّم على الرمح سلاحًا، وقد قال ابن القيم في "الفروسية": "الفروسية أَربعة أنواع؛ أَحدها، ركوب الخيل والكر والفر بها، والثّانِي؛ الرّمي بالقوسِ، والثّالث؛ المطاعنة بالرِّماحِ، والرّابع؛ المداورة بالسّيوف، فمن استكملها استكمل الفروسية".

ومن بديع ما أنشدته العرب في الرّماح تفاخرًا بها وتغزلًا ببهاء حضورها ما قاله يزيد بن سنان:

تَركتُ الرُّمحَ يبْرُقُ في صَلاَهُ
كأَنَّ سِنانَهُ خُرْطُومُ نَسْرِ
فإِن يَبْرَأ فلم أَنْفِثْ عليه
وإِنْ يَهْلِكْ فذلكَ كان قَدْرِي

وكذلك كان للرّمح حضوره في فلسفة أبي العلاء المعري، الذي يقول في إحدى أبدع قصائده:

يا مُشرِعَ الرُمحِ في تَثبيتِ مَملَكَةٍ
خَيرٌ مِنَ المارِنِ الخَطِيِّ مِسباحُ
يَزيدُ لَيلُكَ إِظلاماً إِلى ظُلَمٍ
فَما لَهُ آخِرَ الأَيّامِ إِصباحُ
يَجودُ بِالتِبرِ إِن أَصحابُهُ بَخِلوا
وَيكتُمُ السِرَّ إِن خُزّانُهُ باحوا

وأمّا المتنبّي فيحلّق بممدوحه وهو يتحدث عن شجاعته ويتغنّى برماحه؛ فيقول:

هُوَ المُفني المَذاكي وَالأَعادي
وَبيضَ الهِندِ وَالسُمرِ الطِوالا
وَقائِدُها مُسَوَّمَةً خِفافًا
عَلى حَيٍّ تُصَبِّحُهُ ثِقالا
جَوائِلَ بِالقُنِيِّ مُثَقَّفاتٍ
كَأَنَّ عَلى عَوامِلِها الذُبالا
إِذا وَصِأَت بِأَيدِيَها صُخوراً
يَفِئنَ لِوَطءِ أَرجُلِها رِمالا
جَوابُ مُسائِلي أَلَهُ نَظيرٌ
وَلا لَكَ في سُؤالِكَ لا أَلالا

فالرّماح والحراب لها حضورٌ أصيلٌ في واقع العرب قديمًا وحديثًا، وقد تطورت حديثًا لتغدو رياضة لها قواعدها ونظامها، وفي صدر الإسلام كان التعامل معها بالمنطق الرياضي حاضرًا أيضًا، وهذا ما نفصل القول فيه بإذن الله تعالى فيما هو قادم من المقالات.

شارك: