أوجه الشَّبه بين رمضان والرّياضة في المعنى

2023-03-23 14:31
ممارسة الرياضة أمر ضروري لتعزيز الصحة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بدأ رمضان؛ شهر البركات ومضاعفة الأعمال، وهو وعاء الخيرات كلّها وميدان العبادات المختلفة شعائريّةً كانت أم تعامليّة. وهو الواحة التي تستريح النفس فيها بمقدار ما تبذله من تعب ومشقّة، تمامًا كالرياضة التي يستريح بها الإنسان وينال من متعتها بقدر ما يبذل فيها من مشقّة.

ومن القضايا التي لا يتنبّه لها كثيرون هي أصل كلمة رمضان في اللغة ومن أين جاءت معانيها وارتباط معاني الشهر الكريم بمعاني الصيام وحقيقته؟ وهل لهذا الأصل في التسمية أيّ أوجه للشبه مع الرياضة ومعناها؟

وإذا أردنا أن نعرف معنى رمضان فإنّ الجذر "ر م ض" يدل على معنى الحِدّة في شيء من حَرّ وغيره؛ فالرَّمَضُ هو شدّة الحَرّ، ومن هنا سُمي ما تسبّبه الشمس من شدّة الحرارة في الحجارة أو الرمل "رمضاء".

وكان القدماء يستغلون هذه الحرارة الشديدة في صيد الظباء، فيتبعون الظبي في وقت الهاجرة حتى إذا أرهقوه وتفسّخت قوائمه من شدّة الحَر وبلغ من التعب مبلغًا لا يقوى فيه على مزيد من المشي أخذوه، ويسمون هذه العمليّة "التّرمُّض"، أما رَمْض الغنم فهو أن ترعَى في شدّة الحَرّ.

هذا عن الظباء والغنم، أما الفِصال "ومفردها الفَصيل، وهو ولد الناقة" فإن رَمَضها هو أن تبركَ حين يشتد الحَرّ من النهار وتحرق الأرض خفافها، وهو وقت الضحى، وفي فضل صلاة النافلة في هذا الوقت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الأوّابين إذا رمِضَت الفصال".

ولهذه التسمية معنيان يتعلقان بالإنسان في رمضان؛ الأول أنّ الصائم يرمَض في هذا الشهر ويصيب الحَرُّ جوفه من شدّة العطش، والثّاني أنّ رمضان يرمض الذّنوب أي يحرقها.

ولكن ما علاقة هذين المعنيين بالرياضة؟

إنّ من أوجه الشبه بين رمضان والرياضة في المعنى هو أنّ الرياضة تحرق جوف الإنسان وهو يمارسها وتتسبب بارتفاع درجة حرارته، فرمضان الذي يحرق جوف الصّائم والرياضة يتشابهان في هذا المعنى.

كما أنّ الرياضة تقوم بحرق الدّهون والسّعرات الحرارية حين يمارسها الرياضيّ؛ فإنّ الصيام يفعل الأمر ذاته أيضًا فهما يتفقان في معنى الإحراق كما يسهم رمضان في حرق الذنوب والمعاصي فإنّ الرياضة تسهم في حرق الطاقة السلبيّة وتحسين المزاج المعنوي أيضًا؛ فرمضان والرياضة يتفقان في معنى الإحراق الماديّ والمعنويّ كما اتفقا في معنى رفع درجة الحر وحرق الجوف عند من يمارسهما أيضًا.

وكذلك فإنّ رمضان يدل على معنى الحدّة عمومًا، لذلك فإن كل شيء حادٍّ هو "رَميض"، فيقال: هذا سكين رميض ونصل رميض وشفرة رميضة. وإذا أردت أن تصنع من حديدة سكينًا، فإنك ترمِضها بين حجرين أملسين حتى ترقّ؛ أي تطرقها بحدة حتى تغدو رقيقة حادّة.

فمن معاني رمضان أنّه يرقق طباع الإنسان كأنّه يطرقها طرقًا كما تُطرق الحديدة لتغدو سيفًا أو سكينًا، وهذه الرقة تظهر في تعامل الصّائم مع من يسيء له؛ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما اتفق عليه البخاريّ ومسلم: "إذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ شَاتَمَهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا: إذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ".

ومعنى الترقيق هذا موجود في الرياضة فهي تطرق البدن طرقًا حتى تجعله رشيقًا نحيفًا منسجمًا متماسكًا. وكذلك فإنّ معنى الرياضة كان حاضرًا عند السلف الصّالح حين يتحدثون عن رمضان؛ فكانوا يشبهونه بمضمار السباق الذي يتسابق فيه الناس للوصول إلى نهايته والفوز مع نهاية آخر يوم فيه.

وقد عبّر الحسن البصريّ -رحمه الله تعالى- عن هذا المعنى أبلغ تعبير وهو يقول: "إنّ الله جعلَ شهر رمضان مضمارًا لخلقه يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته؛ فسبقَ قومٌ ففازوا وتخلّف آخرون فخابوا؛ فالعجب من اللّاعب الضّاحك في اليوم الذي يفوز فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون".

فهذا هو المضمار أمامك والسباق قد بدأ؛ فاحذر أن تكون متسابقًا قويًا في مضمار الرياضة ومتسابقًا خاملًا في مضمار رمضان.

شارك: