هل للرياضة أثر إيجابي في اكتساب مفردات اللغة والتحدث بطلاقة؟
لا شكَّ أنّ ممارسة الرِّياضة مفيدة للبَدَنِ، ونافعةٌ لتحسين المزاج والنّفسية، لكن ما علاقة ممارسة الرياضة بلغة الكلام وطلاقة اللّسان والقدرة على التّواصل مع الآخرين؟
هل تؤثر الرياضة إيجابيًا في جهاز النّطق وتكيّفه مع الحركات الصوتيّة المتعدّدة التي تتطلبها لغة الحوار والحديث؟ وهل لها التأثير نفسه الذي تتركه في الجسم كإكسابه مرونة وخفة في الحركة؟
للجواب عن هذه التساؤلات سأستعرض لكم بعض ما وصلت إليه الأبحاث العلمية التي عُنِيت بهذا الموضوع؛ فقد نُشِر بحث علميّ في شهر آب/ أغسطس من عام 2021 في مجلة تُعنى بالأبحاث العلمية المتعلقة بالمهارات اللغوية كالاستماع والمحادثة؛ يؤكد البحثُ دور الرياضة وأهمية ممارستها في مساعدة الأطفال الصّغار واليافعين، الذين يعانون من بعض مشكلات النطق، على اكتساب اللّغة وتعلمها ونمو الذّخيرة اللّغوية لديهم وإغنائها، وتسهيل طرق الحديث، وتزويد المتعثّرين منهم بأساليب تعبيرية كثيرة ومتنوعة، لا سيّما في الأعمار المتراوحة بين السّادسة والثانية عشرة.
أكدت الدراسات العلمية أن النشاط الحركي المنظم للأطفال، وممارستهم لرياضةٍ معينةٍ باستمرار وانتظام؛ يوفّر لهم قدرةً عاليةً على اكتساب المفردات اللغوية الجديدة والاحتفاظ بها في الذاكرة، وتوظيفها عند الحاجة إليها في سياق الكلام وفي الحوارات المناسبة، وعند اليافعين والبالغين كذلك، فبعد ممارسة الرياضة يزداد النشاط العصبي في المخ، مما يعني قدرة أكبر على التذكر وكفاءة لغوية أعلى.
وصلت إحدى الدراسات المَعنِيّة بتأثير الرياضة في المخ والنشاط العصبي والقدرة اللغوية إلى أن رياضة السباحة بالتحديد ودون غيرها من الرياضات؛ لها تأثيرٌ كبيرٌ في اكتساب اللغة وإغنائها بالمفردات الكثيرة والقدرة على تذكرها واستعمالها بمرونة وخفة، ومن الطّبيعي أن يتساءل المرء: لماذا رياضة السباحة على وجه التعيين؟
لقد تبيّن أن رياضة السّباحة وممارستها تتطلب من المرء كمية كبيرة من الطاقة البدنيّة لا العصبية، فللسباحة طرق وأوجه وحركات محددة؛ لذا فإن الطفل أو البالغ عندما يمارس السباحة فإنه يوفر كمية من الطاقة العصبية التي يحتاجها لو أنه مارس تمرينًا آخر من رياضة مختلفة، قد يتطلب منه ذلك التمرين أن ينتبه ويكرر مطولاً حتى يصل إلى الأداء الذي يريده أو الأداء الذي يُراد منه، وهذا الانتباه والحرص والتكرار يستهلك طاقة عصبية كبيرة، وهذه الطّاقة يوفّرها المرء حين يمارس السّباحة، فيحصل بذلك على مساحة أوسع من طاقته وقدرته وذاكرته لكي تمتلئ بمهارة أخرى تعتمد على الاحتفاظ بمعلومات جديدة في الفكر والذّاكرة، وإذا ما كانت هذه المهارة هي اكتساب اللّغة بالوعي أو بدون وعي فإنه استثمار ناجح؛ إذ يكون في المخّ طاقة استيعابية كبيرة وقادرة على تخزين المعلومات والكلمات الجديدة مثلًا.
من المعهود في كثير من المدارس أن يكون درس الرياضة واللياقة البدنية هو الدرس الأول في اليوم المخصص له، وقد يستغرب بعض الأهالي من ذلك ويُنكِرونَه، إذ يرون أن طاقة الطّفل العالية حين يستيقظ يجب أن تُستعمل ويُستفاد منها بدراسة المواد العلمية التي تحتاج صفاءً ذهنيًا كالرياضيات والفيزياء والكيمياء وغيرها؛ لكن جعل الطّفل يبدأ يومه بدرس الرياضة هو في الحقيقة عين الصواب، وقد اعتمدت كثير من المدارس على تطبيق تمارين رياضية في صباح كل يوم بغضّ النّظر عن دروس اللياقة البدنية المخصصة لكل صف من صفوف المدرسة.
والسؤال الذي يطرح نفسه الآن: لماذا؟ ما الفائدة من ممارسة الرياضة في صباح كل يوم؟ وكيف يؤثر ذلك إيجابيًا في التحصيل العلمي واللغوي لدى الطلاب؟
إن الرياضة عامة تزيد من النشاط العصبي وتدفع الخلايا العصبية نحو النمو والتجدد، والتمارين الرياضة بطبيعة الحال تحفّز عمل المخّ، وتزيد حرارة الجسم فترتفع شدّة الانتباه لدى الأطفال عامّة ويتمتّعون بيقظةٍ فكريةٍ وذهنيةٍ، تهيئهم لالتقاط المعلومات الجديدة وتخزينها بالشّكل الأمثل لاسترجاعها عند الحاجة إليها. والأمر نفسه ينطبق على أولئك الذين يحرصون على ممارسة الرياضة يوميًا وكلَّ صباح.
وفي دراسات أُخرى أُجريت على الأطفال الذين يعانون من صعوبات في النطق والتعلم سواء أكانت أسباب تلك الصعوبات نفسية أو عضوية، أثبت الباحثون أن الحفاظ على نشاط رياضي يومي ومنظم يعود بنفعٍ كبير على الأطفال، لا سيّما إذا ما انتبه الأهل إلى هذه المشكلات في سِنّ مبكّرة وحرصوا على تلقّي أولادهم تعليمًا رياضيًا في مرحلة ما قبل المدرسة، فإن النجاح في هذه المرحلة يرفع مستوى الإدراك لدى الأطفال، ويعينهم على تجاوز مشكلاتهم النفسية والبدنية أيضًا، ويوفر على الأهل والأولاد كثيرًا من العثرات التي يمكن أن تواجههم في سنوات الدراسة.