إصابة محمد صلاح | هل ضحّى الإعلام المصري بقائد "الفراعنة"؟

تحديثات مباشرة
Off
2024-01-23 22:22
إصابة محمد صلاح وجدل مصري لا ينتهي، فمن هو المستفيد الأبرز؟ (X/MoSalah)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لا يزال زلزال إصابة محمد صلاح يُرسل موجات ارتدادية عنيفة على الشارع الرياضي المصري، رغم نجاح منتخب "الفراعنة" في تحقيق أول أهدافه الرئيسية بتخطي دور المجموعات في سيناريو درامي، وبالتالي حجز مقعده بين كبار دور الـ16 في كأس أمم أفريقيا 2024، التي تحتضنها كوت ديفوار.

واتّخذت إصابة محمد صلاح وقرار اللاعب المفاجئ بالعودة إلى ناديه ليفربول الإنجليزي بعد لقاء الرأس الأخضر الختامي في دور المجموعات، لاستكمال مراحل العلاج، شقّين على مستوى تناول النقّاد والجماهير.

 فالأول يرى أنّ ما حدث طبيعي، وليس حادثًا فريدًا من نوعه، بينما الثاني "لم يستسغ" فكرة مغادرة القائد خلال منافسة ضخمة بحجم "الكان" معتبرًا ذلك أمرًا غير مسبوق، على مستوى أعراف المنتخبات، اللافت أنّ الإعلام -وخصوصاً المصري- قد استثمر بانتهازيّته "المشروعة مهنيًّا" وزن صلاح الثقيل وفق مقياس الشهرة، للاستفادة القصوى من هذا المسلسل، الذي بدأ بسقطة احترافية فظيعة من الاتحاد المصري لكرة القدم.

إصابة محمد صلاح.. بداية القصة ومسؤولية الاتحاد

قبل إصابة محمد صلاح في المواجهة الثانية أمام غانا والتي انتهت بالتعادل (2-2)، لم يكن المعسكر المصري ينعم بالهدوء والأجواء الطيّبة، حيث تعكّر مناخ "الفراعنة" الداخلي جرّاء اختيارات المدرب روي فيتوريا للقائمة المشاركة في البطولة، وما زاد الطين بلّة هو تعادل أول صادم وبشق الأنفس ضد موزمبيق (2-2)، كان لصلاح نفسه دور جوهري فيه، بعد أن دوّن هدف تعديل الكفة وتفادى السقوط الكارثي من علامة الجزاء وفي آخر ثواني اللقاء.

ثمّ حلّ موعد مواجهة الـ"بلاك ستارز"، الذي قدّم أحد أبرز المستجدات السيئة، ألا وهي إصابة محمد صلاح مع اقتراب نهاية الشوط الأول، ليُصنع من ذلك الوقت، مشكل من العدم، أدخل المنتخب المصري في دوّامة يعيش داخلها حتى الآن.

إصابة محمد صلاح في العضلة الخلفية بحد ذاتها، ليس لُبّ الموضوع، فالإصابات شائعة في عالم الكرة فهي الخبز شبه اليومي لأي لاعب، لكنّ كيفية معالجة هذا الملف في "وضعية نجم الريدز"، كان غريبًا وبعيدًا كلّ البعد عن الاحترافية، والكلام موجّه هنا أساسًا إلى الاتحاد المصري لكرة القدم، والذي تُقدِّمه أحداث هذه القصة مسؤولًا أوّلَ عن كلّ التبعات التي حدثت لاحقًا.

كيف يمكن لمسؤولي اتحاد محلّي في عراقة الاتحاد المصري، أن يغفل عن الإعلان عن قرار إستراتيجي حاسم بعودة صلاح إلى "الريدز" لاستكمال العلاج، قبل أن يصدمهم مدرب ليفربول، يورغن كلوب، بهذه المفاجأة غير السارة، علنًا، في المؤتمر الصحفي الذي أعقب مباراة بورنموث الأخيرة في الدوري الإنجليزي، واضعًا كلّ مَن له علاقة بصلاح من اتحاد وإدارة منتخب وجماهير في حالة التسلل، ومن هنا بدأت "ملكة التأويل" في البروز، وانتشرت سيناريوهات الحقيقة الغائبة، انتشار النار في الهشيم. 

محمد صلاح ضحيّة "ازدواجية المعايير"

إصابة محمد صلاح تعيد إلى الأذهان خِصلة عربية خالصة، تتعلّق بجحود الذاكرة، حتى القصيرة منها، فإذا كنت ممّن يتميّزون بإشعاع ونجومية نجم مصر الأول عبر العصور بشهادة "السواد الأعظم"، فمن السّهل اصطيادك عبر هذه التقنية الخبيثة.

من تابع مسلسل إصابة صلاح وما انجرّ عنه من حلقات، لن يجد صعوبة في اكتشاف ما يعرف بـ"ازدواجية المعايير"، في تحاليل النقّاد والمتابعين في الشارع الرياضي المصري وحتى العربي، فمن جهة، يتبنّون فكرة أنّ صلاح "ليفربول" ليس صلاح "الفراعنة" وخروجه من تشكيل مصر بداعي الإصابة، حرّر بقية النجوم في تشكيلة البرتغالي فيتوريا، الذين كانوا مكبّلين بسطوة حضور صلاح ونجوميته الطاغية، التي تجبرهم "تلقائياً" على التعويل على جهوده بصفة استثنائية، دون إبراز قدراتهم القيادية أو تأثيرهم في الميدان.

أمّا من جانب آخر فيبرز التناقض، إذ تتعالى الأصوات المنادية بـ"جسامة خطأ صلاح" وكيف تجرّأ على اتخاذ قرار مغادرة معسكر المنتخب والعودة إلى ليفربول رغم معرفته بحساسية دوره بالمنتخب، في مشهد يجسّد "شيزوفرينيا" واضحة وحالة فشل ذريع في تمييز الواقع.

حادثة غير فريدة والإعلام في قفص الاتهام

على عكس ما يعتقده كثيرون، فإنّ حادثة إصابة محمد صلاح ليست فريدة من نوعها، فهي تحدث على مستوى المنتخبات؛ لكي لا نستحضر وقائع قد أكل عليها الدهر وشرب، يكفي أن نذكر حادثتي لاعبي منتخب تونس في هذه النسخة من "الكان" بالذات، مرتضى بن ونّاس وطه ياسين الخنيسي.

اعتذر بن ونّاس عن عدم الاستمرار في معسكر "نسور قرطاج" قبل بداية البطولة بسبب طارئ عائلي يتعلّق بمرض ابنته الصغرى، رغم أنّه في ذات الأسبوع خاض مباراة مع فريقه قاسم باشا أمام بشكتاش لحساب الدوري التركي، وهو ما أثار التكهنات، رغم مرور الموضوع سريعًا، بينما أصيب الخنيسي في سيناريو مشابه لصلاح خلال مباراة ناميبيا الأولى وغادر البطولة لمواصلة مراحل العلاج الطبيعي في ناديه الكويت الكويتي، ولم يُحدث ذلك أية ضجّة.

ورغم تشابه حالة الخنيسي على وجه الخصوص مع حالة صلاح، فإنّ معالجة الإعلام عبر نقّاد ونجوم سابقين وصحفيين، اختلفت جذريًّا، وليس لهذا سوى تفسير وحيد، يتعلق أساسًا بتلاعب الإعلام بمفاتيح الإثارة والتهدئة في أي موضوع، مع اكتساب سلاح التحكّم في توجيه الرأي العام إن كان رياضيًّا أو غير ذلك، ويصبّ كلّ ذلك في خانة "الانتهازية والبراغماتية" المهنية، التي لا تعترف بالحدود في ميدان تنافسي شرس، يحكمه ما يعرف بالـ"سكوب" وشعارات السبق الصحفي، وذلك لاستمالة أكبر عدد ممكن من الجماهير باستعمال خطاب ذكي بلغ حدود الدهاء، قوامه أساسًا، اللعب بالمفاهيم.

ماذا عن دور ليفربول في الزوبعة؟

بعد إصابة محمد صلاح وإجماع أغلب نجوم الكرة المصرية من لاعبين سابقين ونقّاد وإعلاميين، على أنّ خروج قائد منتخب مصر خلال مغامرة الـ"كان" وتفضيل العودة إلى ليفربول للعلاج، هو خيار يفتقد إلى الحكمة، لم تتبقّ سوى زاوية واحدة ساكنة رغم أهميتها، وهي تلك المتعلقة بمسؤولية ليفربول نفسه عن هذه الزوبعة، التي بدأت بتصريح لمدربه كلوب.

والسؤال الذي قد يحتوي بين طيّاته إجابة ضمنية؟ هل كان ليفربول سيتجرّأ على استدعاء نجم من منتخبات الصف الأول عالميًّا، كما حدث مع صلاح في الكان؟

كلوب نفسه لن يكون بريئًا، من خلال الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ المدرب الألماني سبق وأن سقط "إعلاميًّا" في فخ تصريحات تزدري بطولة كأس أمم أفريقيا، وتحطّ من قيمتها، أضف على ذلك، أنّ كلوب وليفربول لم يكونا ليتجرّآ مثلًا على استدعاء الكولومبي لويس دياز أو الأوروغواياني داروين نونيز أو حتى المجري دومينيك سوبوسلاي من منتخباتهم بهذا الأسلوب، رغم أنّ قيمهم التسويقية والفنية لا تتساوى مع قيمة صلاح، ولكنّ الإجابة حتمًا وقطعيًّا ستكون "لا"، ومن هنا تكتب نقطة الختام، في فهم حيثيات إصابة محمد صلاح، الذي شغل الدنيا وملأ الناس، في فترة قياسية.

شارك: