الصَّيدُ رِياضةُ المُلُوك في قصيدة شاعر القطرين

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-14 15:37
الصيد.. واحدة من أبرز الرياضات التي اشتهر بها الأغنياء في القدم (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يُعرَفُ الصّيدُ منذ قديم الزمان، وترتبط بداياته ببدء الخليقة ووجود الإنسان على الأرض؛ فالصيد من أقدم النشاطات والممارسات التي تعلمها الإنسان لتغذية نفسه والحفاظ على بقائه، لذا وجد في الطبيعة من حوله بما تحويه من أحياء نباتية وحيوانية مصدراً غنياً للحصول على الطعام، ناهيك من أن نواميس الطبيعة وما فيها من نُظُمٍ وقوانين كونية كانت منبعاً للإلهام، إذ رأى الإنسان البدائي كيف تتربص الحيوانات المفترسة بالضعيفة لصيدها واقتناصها وتناولها، فتعلم منها، وأوجد طُرُقَه الخاصة كَنَصب الأفخاخ وتطوير الأدوات المستعملة بما يتناسب مع طبيعة الحيوان الذي يرغب باصطياده، فصيد الأسماك يختلف عن صيد الغزلان مثلاً.

كان الصيد مصدراً للطعام، لكنه سرعان ما تحوّل مع الزمن واستقرار الناس واكتشافهم للزراعة إلى وسيلة للحماية، فصار الناس يمارسونه بهدف حماية أنفسهم وإبعاد الحيوانات المفترسة عن بيوتهم وأماكن استقرارهم.

ثم تطوّر الصيد مع تقدّم الإنسان وتطوره حتى غدا رياضة للترفيه، تمارسها الطبقة (الراقية) من الناس، كالأمراء والنبلاء والسادة، وصاروا يستعينون بالحيوان على الحيوان في أحيان كثيرة، ومن هنا جاء الاهتمام بتربية كلاب الصيد، والعناية ببعض أنواع الصقور.

وكحال كل نشاط إنساني، لا بدّ من ظلال تتركها هذه الرياضة في الأدب، والأمثلة على ذلك في الشعر القديم كثيرة لا تُحصى، لكننا سنتوقف اليوم مع قصيدة من العصر الحديث للشاعر خليل مطران (شاعر القطرين) متحدثاً فيها عن رياضة الصيد، واصفاً إياها برياضة الملوك.

وخليل مطران شاعر لبناني صاحب لقب شاعر القطرين (مصر ولبنان)، الذي صار لقبه فيما بعد شاعر الأقطار العربية، كان شاعراً مجيداً ومميزاً، وقد قال فيه طه حسين يوم وفاته: "لقد عرفت مطراناً وكنت معجباً بشعره، مؤثراً له على شعر المعاصرين جميعاً في الأقطار العربية كلها"، فلننظر معاً إلى قوله:

اَلصَّيْدُ لَهْوُ المُلُوكِ مِنْ قِدَمِ
وَالنُّجُبُ النَّابِهِينَ فِي الأُمَمِ
رِيَاضَةٌ جَمَّةٌ مَنَافِعُهَا
سِلْماً وَحَرْباً لِلْحَاذِقِ الفَهِمِ
مُزِيلَةٌ لِلْهُمُومِ بَاعِثَةٌ
مِنَ الرُّكُودِ المُذِيلَ لِلْهِمَمِ
تُهَيءُ المَرْءَ فِي تَنَزُّهِهِ
لِيأْخُذَ العَيْشَ أَخْذَ مُغْتَنِمِ

يؤكد الشاعر أن الصيد رياضة خاصة بالطبقة العليا حين يقول إنها (لهو الملوك)، ويشير إلى قدمها وكثرة منافعها لمن يمارسها، ففضلاً عن كونها تعلّم المرء الدّقة والصبر، فإنها تزيل الهمّ وتبعث في النفس الهِمَمَ، وتعلّم الإنسان كيف ينتهز الفرص المتاحة له من حوله، وكيف يستثمرها بجرأة وبدون تردد؛ ليفوز ويَغنمَ.

ثم يقول: هل هناك أجمل من التجوّل في ربوع الطبيعة ورياضها، واستكشاف سهولها وتلالها وهضابها، حتى لو تاه الإنسان في جمالها! ففيها انشراح للصدر وجلاءٌ للهموم وترويح عن النفس.

أَيُّ انْشِرَاحٍ لِلصَّدْرِ فِي نَقْلٍ
بَيْنَ الرُّبَى وَالنُّجُوعِ وَالأَجَمِ
وَفِي اجْتِلاءِ الفَتَى مَحَاسِنَهَا
إِنْ يَنْطَلِقْ هَادِيّاً وَإِنْ يَهِمِ

ويكمل خليل مطران مشيداً بمهارة المرء في الصيد قائلاً: هل هناك أبدع من قدرة الإنسان على مراقبة فريسته التي يخطط لاصطيادها ويهمُّ للنيل منها؟ هل هناك أحلى من تربص المرء بالفريسة وتسديد سهامه نحوها بكل دقة وجسارة؟ 

ثم ينقلنا الشاعر بخياله إلى تصوّر حال الصياد وحرصه على توخي الحذر في أثناء عملية الصيد حين يقول: (وفي توقّيه زلة القدم)؛ فالصياد يترقب فريسته وينهال عليها بالنّبال، لكنه في الوقت نفسه متيقظٌ حريص على خطواته وموطئ قدمه في كل حركة يتقدم بها نحو الفريسة للانقضاض عليها؛ فيقول:

وَفِي تَقَفِّيهِ مَا يُطَارِدُهُ
وَفِي تَوقِّيهِ زَلَّةِ القَدَمِ
وَفِي رَمْيَاتِهِ يُوَزِّعُهَا
مِنْ غَيْرِ ضَنٍّ بِهَا وَلا نَدَمِ

أنشأ خليل مطران هذه القصيدة بهدف تحفيز شبان مصر، وحثهم على الاقتداء بملكهم الفاروق عَزماً وجرأة وشجاعة، وسنكمل جولتنا مع معاني هذه القصيدة ورياضة الصيد في المقال القادم بإذن الله.

شارك: