ميسي غزة.. عندما تُحول كرة القدم الألم إلى أمل!

2021-12-09 18:23
اغتال جيش الاحتلال حلم الطفل عبد الرحمن نوفل بأن يصبح لاعب كرة قدم بعد أن أصاب رجله اليسرى بطلقة نارية (winwin)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"أن تكون فلسطينياً يعني أن تصاب بأمل لا شفاء منه"، بهذه الكلمات البسيطة عبّر الشاعر الكبير محمود درويش عن ملامح صورة شخصية الإنسان الفلسطيني وتكوينه، فكم من مصيبة خرج منها هذا الشعب المكلوم المغلوب على أمره وهو أصلب عوداً وأشد ثباتاً، ليصنع من الألم أملاً ومن المحنة منحة، ومن الحزن سعادة، ومن اليأس تفاؤلاً، متحدياً بطش وفاشية وجرائم الاحتلال الإسرائيلي الذي يُمعن في استهداف الأطفال، ضارباً بكلَّ المواثيق والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان عرض الحائط، لا سيّما اتفاقيات حقوق الطفل، التي شدَّدت على ضرورة توفير الحماية للأطفال بعيداً عن كل أشكال العنف.

يُشكل الطفل الفلسطيني "عبد الرحمن نوفل" نموذجاً يُحتذى به في الإرادة والتّحدي والصمود الفلسطيني في وجه آلة الحرب والبطش الإسرائيلية، فقد كان يحلم بأن يصبح لاعباً مشهوراً على غرار نجم نادي باريس سان جيرمان الفرنسي، الدولي الأرجنتيني ليونيل ميسي.

ذهبت أحلام عبد الرحمن أدراج الرياح بعد أن أصيب بطلق قناص إسرائيلي أطلق عليه يوم السابع عشر من شهر أبريل/ نيسان من عام 2018، بينما كان يلعب كرة القدم مع أصدقائه قرب مخيم البريج وسط قطاع غزة؛ لكنه لم يأبه لذلك بعد أن تمكن أخيراً من العودة إلى ملاعب كرة القدم "اللعبة المحببة إلى قلبه" ولكن هذه المرة بقدم واحدة وعكازين، بعد بتر قدمه.

 

أحلام محطّمة 

ولم يكن الطفل الفلسطيني البالغ من العمر 14 عاماً يتخيّل أن أحلامه في أن يُصبح "ميسي غزة" ستتحطم على صخرة آلام الواقع، حيث خرج محمد من البيت كعادته للعب كرة القدم شرق مخيم البريج وسط قطاع غزة مع رفاق الحيّ، قبل أن يتعرّض لإصابة بطلق ناري متفجر في ساقه اليسرى خلال وجوده بالقرب من فعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار، التي يتخذها الفلسطينيون كوسيلة سلمية للمطالبة بحق العودة، ولإعادة تذكير العالم بضرورة إيجاد حل عادل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

حاول الأطباء داخل مستشفى الشفاء بمدينة غزة، منذ اللحظة الأولى للإصابة، إنقاذ قدمه من البتر، لكن حالة قدمه ازدادت سوءاً، ولَم يستطع أطباء غزة معالجتها نتيجة نقص الإمكانيات داخل المستشفى، ليتم تحويله بعد ذلك إلى أحد مستشفيات الضفة الغربيّة.

مكث هناك لعشرين يوماً لجأ فيها الأطباء لبتر قدمه حفاظاً على حياته، وتفاديّاً لأي مضاعفات طبيّة، ليعود بعد ذلك إلى غزة بقدم واحدة وعكازين  بعد أن اغتالت الرصاصة التي أصابته، وهو يقف على بعد أكثر من 800 متر عن السياج الأمني الفاصل بين غزة والأراضي المحتلة في لحظة، جميع آماله وأحلامه.

بأي ذنب؟

ولدى عودته إلى غزة؛ وجد الفتى اليافع نفسه أمام وضع جديد لم يألفه من قبل، فقد أضحى مُجبراً على الاستعانة بعكازين حتى يتمكّن من السير، كما أصبح في كل يوم يقف حائراً أمام الكرة المستديرة متسائلاً كيف يُمكن له أن يُداعب معشوقته الأولى "كرة القدم" بقدم واحدة؟ وكيف يُمكن له أن يسدد ركلته مستخدماً قدمه اليُمنى التي لم يعتد قط على استخدامها في الركل؟

وماهو الذنب الذي اقترفه عبد الرحمن  ليُكمل حياته بقدم واحدة دون تحقيق حلمه الأكبر في أن يُصبح لاعب كرة قدم مشهور، على غرار لاعبه المفضل، الأرجنتيني ليونيل ميسي؟ فقد بترت الرصاصة المتفجرة التي أطلقها الاحتلال حلمه مثلما بترت قدمه تماماً، وحولته من فتى مفعم بالحيوية والنشاط إلى مصاب حرب، فقد الأمل بالمستقبل، وأنهكه الألم والإحباط، لدرجة أنه لم يحلم أبداً بالعودة للعب كرة القدم.

عبدالرحمن نوفل

طائر العنقاء

لكن الأمر لم يكن كذلك، فقد خرج "نوفل" تماماً مثل طائر العنقاء الأسطوري، الذي يُبعث من تحت الرماد، بعد أن انضم مُؤخراً إلى أول فريق كرة قدم لمبتوري الأطراف في قطاع غزة، حيث تمكن من نزع الطرف الصناعي الذي حلّ مكان قدمه المبتورة واستبدله بعكازين، ليعود أخيراً لممارسة رياضته المفضلة، وليُشارك ضمن أول فريق كرة قدم في فلسطين، يتشكل أعضاؤه من مبتوري الأطراف، إذ كوّن مُؤخراً أول فريق كرة قدم لمبتوري أحد الأطراف السفلية، ليكون الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط.

عندما يتحول الألم إلى أمل

ولم يُخف "ميسي غزة"، الذي يذهب يومياً إلى مكان التدريب بحماس كبيرتاركاً خلفه جميع الهموم والأعباء الحياتية فرحته الشديدة بعودته لممارسة الساحرة المستديرة، إذ لم يقتصر الأمر على ذلك، فقد بات "نوفل" أيضاً مثالاً يُحتذى به حيث حَذا حَذْوَهُ بعد ذلك 26 طفلا وطفلة من مبتوري الأقدام ذكوراً وإناثاً، أغلبيتهم ممن فقدوا أقدامهم جراء الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.

ليُشاركوا معاً في نجاح أول بطولة "كرة قدم لذوي البتر" من لأطفال، والتي نظمتها "جمعية فلسطين لكرة القدم لذوي البتر" برعاية اللجنة الدولية للصليب الأحمر، وهي البطولة التي ساهمت كثيراً في تخفيف الضغوط النفسية عن الأطفال.

صدفة بحتة

وما كان لهذه البطولة الفريدة من نوعها أن تكتمل لولا جهود القائمين على "جمعية فلسطين لكرة القدم لذوي البتر" وعلى رأسهم رئيس الجمعية وعضو اللجنة البارالمبية الفلسطينية، فؤاد أبو غليون، الذي راودته فكرة تشكيل الفريق بمحض الصدفة أواخر عام 2018، وبالتحديد عندما كان يُشاهد مباراة دولية على شاشة التلفاز تجمع بين فريقين لمبتوري الأطراف من إنجلترا وتركيا.

قرر بعد ذلك فؤاد أبو غليون تأسيس الجمعية، التي نظمت مُؤخراً أيضاً أول بطولة دوري كرة قدم للشباب ذوي الإعاقة بمشاركة 5 فرق تضم 80 لاعبا من كافة أنحاء قطاع غزة.

أهداف إنسانية 

ويقول "أبو غليون" إن الجمعية تهدف إلى تنمية وتمكين فئات البتر من ممارسة أنشطة رياضية وثقافية واجتماعية، وليكون لهم دور فاعل في المجتمع الذي يعيشون فيه، من خلال المشاركة المجتمعية الفاعلة، ولكي تكون الرياضة نافذة لهم نحو المشاركة في البطولات الدولية.

يبلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين نحو 93 ألفا، يشكلون 2.1 في المئة من مجمل السكان، وذلك وفقاً لإحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني لعام 2019، فيما يبلغ عدد ذوي الإعاقة في غزة، نحو 48 ألفا، أي ما يشكل 2.4 في المئة من مجمل سكان القطاع، أكثر من خمسهم من الأطفال، وفق ذات المصادر.

شارك: