سعد الرميحي .. شمس قطرية لا تغيب!

2022-09-29 17:48
منظر جوي لاستاد خليفة المونديالي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ما أكثر المناسبات التي تُخوّل لك الكتابة عن الأستاذ سعد الرميحي! ورأسك مرفوع في كبرياء دون أن يتهمك أحدهم بذرة نفاق واحدة.

وما أكثر الإشراقات والإطلالات والمداخلات التي تفرض علينا -من باب رد الجميل، وليس رد الفعل- إعادة إنتاج سيرة هذا الرجل المبدع حتى النخاع، وإنصافه بكلمة تجبر الخاطر أو بسلام، ولو من بعيد.

الحب هو الحب، شوق وولع وانتماء، والقلب دائمًا ما يهفو إلى رائحة الأستاذ سعد الرميحي، تلك الرائحة المعطرة الزكية التي تزكم أنفي منذ أن عرفته نخلة قطرية باسقة تطرح رطبًا جنيًا، ونحلة عطاء تصنع لنا عسلًا صافيًا فيه لذة للشاربين، ليس لأن له قلمًا لا يجاري ولا يباري فحسب، لكن لأنه مفكر عربي حمل ويحمل أوجاع رياضتنا العربية أينما ذهب.

ثم إن همومنا الإعلامية كانت وجعه الأول واللانهائي، أضف إلى رصيده الزاخر بالمعرفة وفلسفتها تجلياته المدهشة التي تصلح لكل زمان ومكان.

نجومية الأستاذ سعد كمفكرٍ فوق العادة وعبقريته ككاتبٍ ومحللٍ وناقدٍ يستشرف آفاق المستقبل بعين زرقاء اليمامة ليست محل خلاف، يمكنك أن تضيف لكل هذا ذكاءه الذي مكّنه من الاحتفاظ بمكانته وشعبيته لأكثر من 45 عامًا.

أقولها بكل تواضع:

الأستاذ سعد يستطيع أن يدخل معك في 360 جولة على كأس النباهة ويُسقطك فيها بالضربة القاضية، ولو أن الصحفيين يحترفون مثل اللاعبين لكان سعد الرميحي الآن يجلس إلى جوار ليونيل ميسي وكريستيانو رونالدو.

ثمة شخصيات أثْرَت المجتمع وأثّرت فيه، يُعاد إنتاج سيرتها الذاتية بين الحين والآخر لما تحويه من معانٍ ساميةٍ تصلح لتوجيه هذا الجيل واقتفاء أثر سيرهم ومسيرهم، والأستاذ سعد الرميحي يقف في طليعة تلك الشخصيات باعتباره مسهمًا في خلق وعي إعلامي، أصبح بمثابة دستور عمل وميثاق شرف يضع كل مبدع في مكانه المناسب.

وهل يحتاج مفكر مثل الأستاذ سعد محمد الرميحي إلى مناسبة للكتابة عنه وعن إرثه الإعلامي المترامي الأطراف، أو رسم لوحة لمشواره الطويل بكلمات مُذهبة تَعلَق على شغاف قلوبنا؟!

بالطبع، لا يحتاج إلى مناسبة؛ لأنه بالفعل أكبر من كل أعياد الكرنفالات الرياضية ونيساناتها، وأكبر من أي حدث ولو كان بقيمة كأس العالم، فقط لأن رحلته في بلاط صاحبة الجلالة لم ولن يتوقف نبضها، فهو الذاهب في فيافي الدهشة بحثًا عن ربيع الحكمة الفائضة عن الحاجة.

ومثل الأستاذ سعد لا يستحق مني مشاكسة على طريقة الشاعر (زهير بن أبي سلمى)، فهو ما زال يافعًا فكريًّا وفي أوج عطائه نهجًًا وحماسةً، ولا أظن أن رجلًا مثله يحمل قلبًا أبيض يسأم مِن تكاليف الحياة، حتى إذا عانق بعد عمر طويل ثمانين حولًا.

فلسفة سعد الرميحي واضحة، عنوانها العطاء بلا حدود، لأن العمر بالنسبة له ليس مقياسًا للحياة، فهو -مِن وجهة نظره الثاقبة- يُقاس بما يَخُطّه الإنسان في كتاب حياته من مآثر وبطولات ونجاحات، وبما يمكث في الأرض من أعمال ثَقُلت موازينها.

الذي يُجبِرني على الالتصاق بهذا المُفكِّر القطري العربي أنه نادر الحدوث، لا يتكرر في براعته وفي حدسه وفي وقاره إلّا مع زيارة "مُذنَّب هالي" للأرض كل 76 سنة، ليس لأنه يَزِن كلماته بأوقيات الزئبق فقط، لكن لأنه يحمل طموحاتنا في جوانحه أينما ذهب، وهذا هو وجعه الأبدي.

من الممكن أن أكون -أنا أو غيري- موهوبًا باذِخَ اللغة، غزيرَ الإنتاج؛ لكن إذا جالستَ الأستاذ سعد لدقيقةٍ فقط ستكتشف أنك أمام بنك معلوماته لا شيء، وبأدق تعبير "صفر على الشِمال".

حسنًا، يمكنني أن أتباهى بأنَّ لي ذاكرة فوتوغرافية تأسر الماضي وتستدعيه عند الضرورة، لكن عند مخالطة الأستاذ سعد تكتشف أنك أمام الفراسة نفسها، وأنك -فعلًا- وجهًا لوجه أمام دائرة معارف شاملة، اطلبْ منه معلومةً؛ يُجِبْكَ الأستاذ سعد قبل أن يَرتدّ إليك طرفُك.

تعلّمتُ من الأستاذ سعد أن الإبداع الحقيقي لا يُحصى بالتجارب التسجيلية فقط؛ لكنه أيضًا وثيقة تاريخية في اللغة والأسلوب والجوهر تضع الفوارق بين مَن يُدغدِغ مشاعر الملايين وآخر لا تُقاس وثيقته سوى بالملاليم.

خبّأ الأستاذ سعد حلمه المونديالي في قفصه الصدري لأكثر من 40 عامًا، وتحديدًا منذ أن فاتحه الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بما يجول في خاطره من تخطيط لجذب المونديال يومًا إلى الأراضي القطرية الطيبة، من يومها وهذا الحلم يتنامى في عقلية الأستاذ سعد حتى صار بالنسبة له صديقًا وقت الضيق. 

والآن وقد أصبح الحلم حقيقةً يمكن معايشتها على أرض الواقع بعد أيام قلائل، يحق للأستاذ سعد الرميحي أن ينام ملء جفونه عن شواردها، ويترك السهر لخلقٍ يختصمون ويناقشون ويسألون كيف أن دولة صغيرة المساحة انتصرت على الدول العظمى، وأرغمت العالم على الانحناء لها؟

أستاذ سعد! هنيئًا لك هذا المونديال، وقد تغذّى لسنوات من عرقك وجهدك ولسانك وخوفك المشروع، وحملْتَه معك في حِلّك وترحالك لسنواتٍ وسنواتٍ إلى أن كبر وشبّ عن الطوق، هنيئًا لك ببلدك قطر التي باتت اليوم كوكبًا يدور العالم في فلكه دهشةً وانبهارًا.

شارك: