حُبُّ الرِّياضة والعربيّة

2023-01-22 12:00
أهمية الرياضة في حياة الإنسان (Mawhopon.net)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

للرّياضةِ سحرُها في النّفس، وجمالُها في القلب، وحضورُها البديع في حركة الواقع، وللّغة العربيّة متعتُها الغضّة في الرّوح، ورونقها الأخّاذ في تفاصيل الحياة، وحين يمتزج جمال المعنى اللّغوي ببراعة الحركات الرّياضيّة، ويُسبغ المرء معاني اللّغة على تفاصيل الألعاب الرّياضيّة ينهضُ في قلبه جمال اللّغة والانتماء إليها هويّةً أصيلةً وركنًا شديدًا في مواجهة مخاطر الاستلاب والتغريب والذّوبان في الآخر، وتزداد متعته بالرّياضة متابعةً وممارسةً وتشجيعًا من جهةٍ أخرى.

وممّا لا يخفى على ذي بصيرة أنّ من أهمّ ركائز انتمائنا لهويتنا العربيّة والإسلاميّة وتمسّكنا واعتزازنا بها أن نقيمَ ألسنتنا بالعربيّة ونقوّمها بها، فنتحدّث بها ونعبّر بألفاظها عن المعاني التي نريدُها، والأحداث التي نعيشها، ونسمّي بها الأشياء التي نحبّها في أرض الواقع، ونستبدل المصطلحات الواردة إلينا من اللغات الأجنبية بمُسمّياتها العربية، ولا سيّما في المجالات الأقرب إلى نفوسنا وأهوائنا كالرياضة.

وقد قال الثعالبي في مقدّمة كتابه "فقه اللّغة وسرّ العربيّة" كلاماً بديعاً ربط فيه بين الشعور بالانتماء إلى الإسلام ومحبة العربية والعروبة:

"إنّ مَن أحبَّ الله تعالى أحبَّ رسولَه محمدًا صلى الله عليه وسلّم، ومن أحبَّ الرّسول العربي أحبَّ العرب، ومن أحبَّ العًرب أحبَّ العربيّة التي بها نزل أفضل الكتب على أفضل العجم والعرب، ومن أحبَّ العربية عُنيَ بها وثابر عليها وصرف همَّته إليها، ومن هداه الله للإسلام وشرح صدره للإيمان وآتاه حسن سريرة فيه اعتقد أن محمدًا صلى الله عليه وسلم خير الرّسل، والإسلام خير الملل، والعرب خير الأمم، والعربيّة خير اللّغات والألسنة".

ويكمل الثعالبي حديثه عن أهمية العربية ويجعلها سبباً لصلاح حياة المرء وفلاح آخرته وتعلّمه وتفقّهه فيقول: "الإقبال على تفهُّمها من الدّيانة؛ إذ هي أداة العلم ومفتاح التّفقُّه في الدّين، وسبب إصلاح المعاش والمعاد، ثم هي لإحراز الفضائل والاحتواء على المروءة وسائر أنواع المناقب كالينبوع للماء والزّند للنّار".

شاع وانتشر في السنوات الأخيرة ولا سيما بين صفوف الشباب الميلُ إلى استخدام اللغات الأجنبية والكثير من المصطلحات التي يظنون أنها عالمية بحكم هيمنة اللغة الإنجليزية بالتحديد على كثير من مجالات الحياة وعلى نطاق واسع من العالم، فصار استعمال الكلمات الأجنبية في أثناء الحديث دليلاً على الرُّقيّ والتّقدّم والمعرفة والثقافة، ولأن الساحة الرياضية تحتل المكان الأوسع في فكر الشباب عامة وتأتي في مقدمة اهتماماتهم صاروا يميلون إلى تجنب استعمال الألفاظ العربية فيما يعبرون عنه، ويعتمدون المصطلحات العالمية، متناسِين بذلك أنّ من علامة مروءة العربيّ أن يحفظ لسانه عن الاعوجاج إلى غير العربيّة والرّطانة بلغات الآخرين، فذلك ليس إلا محاولة بائسة لإظهار التقدّم أو الرّقي، وهو علامة هزيمةٍ نفسيّةٍ وانبهار بالآخر وذوبان في لغته، وتقليد أعمى لعاداته وتقاليده.

وعن هذا المعنى عبّر ابن خلدون بقوله: "المغلوب مولعٌ أبدًا بالاقتداء بالغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده، والسّبب في ذلك أنّ النّفس أبدًا تعتقد الكمال فيمن غَلَبها وانقادت إليه". يرى ابن خلدون في قوله السابق أن السبب وراء استعمال اللغات الأجنبية اعتقادٌ واهم بتقدّم الغالب، لكن متى كان النصر دليل التقدم؟! ألم ينهزم الحق أمام الباطل في كثير من الأحداث والمساقات؟ هل يقلب ذلك الحقائقَ ويجعل الحقّ باطلاً والباطلَ حقاً؟! منذ بدء الخليقة يعرف الإنسان أن للخير والشر صولات وجولات، يتقدم الشر على الخير في أحيان لكن ذلك لا يُلغي حقيقته ولا يخفيها.

ولله درّ الفارابي إذ يمدح اللّسان العربيّ مبيّنًا أهميته ومكانته وما يجب على العربيّ أن يعتقده وهو يرى المنهزمين نفسيّاً وقد زهدوا بلسانهم العربيّ وأثقلوا ألسنتهم برطانةٍ غريبةٍ؛ فيقول: "هذا اللّسانُ كلامُ أهل الجنة، وهو المنزَّه بين الألسنةِ من كلِّ نقيصة، والمعلَّى من كلِّ خسيسة، والمهذَّب مما يُسْتَهجن أو يُسْتَشْنع".

ولأنّ من واجبات العربيّ تجاه لغته الأمّ التي هي من أهمّ ركائز هويّته وانتمائه إلى أمّته العريقة أن يعمل على إحيائها وتعميم التّخاطب بها، فإنّ ذلك يكون أكثر فاعليّةً حين يقترن بالأمور المحبّبة إلى النفس، والرّياضة هي من أحبّ أنشطة الحياة إلى نفوس النشء من الشباب والفتيان، وهي من أهم النشاطات التي تربط أفراد العائلة كلهم كباراً وصغاراً وذكوراً وإناثاً ببعضهم وتجمعهم معاً في نقاشات ماتعة وشيّقة، لذلك لا بدّ من ربط اللّغة العربيّة بها وإحياء استخدام ألفاظ الألعاب الرياضيّة بها، والتشجيع على الاستماع إلى التعليق الرياضيّ بها، فإن لهذه التفاصيل البسيطة أثراً بالغاً في إحياء اللغة العربيّة في نفوس الناس عامة والجماهير الرياضية خاصة، وإخراجها من الحيز التّخصصيّ الضّيق إلى الفضاء الجماهيريّ العام.

شارك: