حواء ومفهوم الانتماء

2022-08-29 19:14
جماهير إنتر ميلان تصنع الحدث في ديربي الغضب (Getty)
Source
+ الخط -

على طاولة مُطلّة على ساحة الدومو في مدينة الأزياء ميلانو، جلسَتْ تنتظر وصوله بلهفةٍ تفوق الوصف. 

ها قد وصل، دخل وعيناه تكادان تقفزان من الفرح، مرتديًا قميص إنتر ميلانو بالأزرق والأسود الذي لا ينتمي لرفاهية المكان.

أمسكَتْ يده برفق ونظرَتْ في عينيه، كانت تعلم أنه لن يُتقن الكذب، وبِرقّة متناهية سألته: "هل سنظل هكذا طوال العمر؟!"

فقال لها: "نعم، من دون شك"، ثم أجابها بواقعية ذكورية مُفرطة: "الثوابت في الحياة قليلة جدًا".

لمعتْ عيناها، وعاجلته مُستفهِمةً: "ما ثوابتك التي لا يمكن لها أن تتغير؟"

عدّل جلسته، وسحب يده بِخَيلاءَ من بين أيديها، ثم قال: ثلاثة أشياء في حياتي لا يمكن أن تتبدل.. 

"الأولى هي والدتي، فلا يمكن لأحد أن يبدل أمه"

فشرعت تُحدِّث نفسها والتوقعات تعتريها "أنا الثانية بالطبع"

فقاطع مونولوجها الداخلي مُتابِعًا: "والثانية هي بصمة يدك التي لا يمكن نسخها أو مشاركتها مع أحد في العالم".

لمعت عيناها مجددًا، وهي تُغازِله في نفسها: "ما أجملك! قد جعلْتَني ثالثةً؛ حتى يكون ختامه بالمسك".

انتظرَته أن يقولها؛ لكن الشاب الوسيم دمّر كل أحلامها الوردية عندما قال: "أمّا ثالث ثوابت حياتي فهو فريقي الذي أشجع" 

فتح الشاب مجال عينيه؛ فوجد ورقة من فئة خمسة يوروهات كانت قد تركتها له على الطاولة ورحلَتْ.

فكان ختام القصة.

في غرفته وقف ينظر من نافذة شباكه إلى السماء، أمّه تكسر الصمت المُخيّم قائلةً: يا بُنيّ لا تحزن! فالقادم أجمل. 

لكن الشاب ابتسم قائلًا: عشر سنوات من الخيبات والفشل، منذ آخر كأس لإيطاليا لعام ألفين وأحد عشر.. 

عشر سنوات من الهزائم والخسارات وفقدان الأمل.. 

عشر سنوات من الدموع والألم..

عشر سنوات يا أمي لم يتغير العشق قيد أنملة..

عشر سنوات لم أبرح مقعدي بالمدرجات، ولم يسكت صوتي عن الهتاف والتشجيع..

عشر سنوات لا مكان في الملعب لوافدٍ جديدٍ، وقبل كل معركة نرفع العَلَم..

نرسم أجمل اللوحات ونُردِّد النشيد..

بعد هذا كله يا أمي.. أتحدثينني عن الحقيقي من الحب والانتماء؟!  

ليتها فهمَتْ كلَّ ذلك حوّاء! 

شارك: