بيليه.. معجزة "ماسح الأحذية"

2022-12-30 11:52
أسطورة كرة القدم البرازيلية بيليه (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يزخر التاريخ بالعظماء، الذين تحدّوا ظروفهم القاسية وركام الإحباطات، لينجحوا في تبوّء أماكن مرموقة على كل الأصعدة العلمية والثقافية والاجتماعية، وحتى السياسية. 

وفي حالة "إدسون أرانتيس دو ناسيمنتو" نجم الكرة البرازيلية الملقب بـ"بيليه"، وأول أساطير اللعبة بلا منازع، سنرى أن الظروف التي عاشها منذ أن تفتحت عيناه على هذه الحياة قبل 82 عاماً، لم يسبق أن عاشها أي لاعب كرة سواء قبله أو بعده.

بشوارع الأحياء الفقيرة.. صقل بيليه موهبته الكروية

ومن طفولته، كان بيليه مُطالباً بأن يكون معيلاً لعائلته، حيث عمل بعد عدة سنوات على ولادته في مدينة ساو باولو، التي انتقلت إليها عائلته، فعمل بيليه إما ماسحاً للأحذية أو خادماً في المقاهي، وفي أوقات الفراغ لاعباً بكرة الجوارب المحشوة بأوراق الجرائد والملابس البالية في الحواري والأحياء الفقيرة، التي صقل غبارها موهبته الفطرية، قبل أن ينتقل في سن المراهقة للعب في الصالات المغلقة.

ومن هناك، شق بيليه طريقه إلى نادي سانتوس البرازيلي، وتحديداً في عام 1956، عندما كان يبلغ من العمر 15 عاماً، لتأسر موهبته مدربي النادي، ويحظى بأول عقد احترفي في نفس العام، لتعمد وسائل الإعلام البرازيلية في مدينة سانتوس لفرد مساحات كبيرة للحديث عن موهبة بيليه، حتى تم ترفيعه للفريق الأول مع سانتوس في سبتمبر/ أيلول من عام 1956.. ذلك العام الذي يعتبر الأبرز في مسيرة هذا النجم.

ثورة شعبية وقرار جمهوري حرما بيليه من الاحتراف

أسهمت العروض القوية التي قدمها بيليه مع الفريق الأول لسانتوس في حجز مركز أساسي له في الموسم التالي، والذي شهد استدعاءه للمنتخب البرازيلي للمرة الأولى، في عمر الـ 16، وفوزه بلقب هداف الدوري البرازيلي، شهد هذا الموسم تلقي بيليه عدة عروض احترافية مغرية.

وكان أبرز تلك العروض، من نادي إنتر ميلان في عام 1958، والذي سرعان ما تم تمزيقه من قِبل رئيس النادي الإيطالي أنجلو موراتي، بعد الثورة العارمة التي قام بها مشجعو نادي سانتوس حينها، والضغوطات الكبيرة التي قاموا بها للاحتفاظ بنجمهم المحبوب، ليصدر قرار جمهوري بالاحتفاظ به، كثروة قومية لا يمكن الاستغناء عنها.

بداية ظهور بيليه مع البرازيل وأول إنجاز عالمي

الظهور الدولي الأول لبيليه مع منتخب البرازيل كان على ملعب الماراكانا الشهير في ريو دي جانيرو أمام الأرجنتين خلال عام 1957، وكان عمر بيليه حينها 16 عاماً و9 أشهر، وشهدت المباراة إحرازه هدفه الدولي الأول.

لتتجه الأنظار في العام التالي إلى السويد مسرح النسخة السادسة من نهائيات كأس العالم، وفيها سطر بيليه أول إنجاز إعجازي بوصفه آنذاك أصغر لاعب يشارك في هذا الحدث على الإطلاق، وأصغر لاعب يحرز هدفاً في تاريخ البطولة، وأصغر من يحرز "هاتريك" في مباراة واحدة، وذلك أمام فرنسا في الدور نصف النهائي، وكذلك أصغر من يشارك في مباراة نهائية على صعيد المونديال، وهي المباراة التي أحرز فيها بيليه هدفاً.

أسطورة بيليه لم تتوقف عند إسهامه في فوز البرازيل بباكورة ألقابها في المونديال، وتبديد الخسارة التاريخية لمنتخب السامبا في نهائي مونديال 1950، عندما خسرت البرازيل أول فرصة سانحة للفوز باللقب بعد سقوطها المدوي أمام الأوروغواي بنتيجة 1-2، رغم أنها كانت تحتاج لنتيجة التعادل فقط لاعتلاء منصة التتويج.

تهديدات وتراجع.. ما قصة بيليه مع مونديال 1970؟

لم تنتهِ قصة بيليه عند إسهامه في فوز البرازيل بلقب مونديال عام 1958، مع عودته لقيادة بلاده إلى التتويج باللقب مجدداً في النسخة التالية تشيلي 1962، قبل أن يشهد مونديال 1966 تعرض بيليه إلى الإصابة، بسبب العنف الشديد الذي واجهه من المنافسين، وهنا كان يتخذ بيليه قراراً بعدم المشاركة مرة أخرى في كأس العالم.

لكن سرعان ما تراجع بيليه عن هذا القرار ملبياً نداء الواجب، وراضخاً لرغبة الجماهير البرازيلية، ليقود منتخب بلاده إلى الفوز بلقب مونديال المكسيك عام 1970، بعد عروض تاريخية وأهداف خالدة، ليصبح بالتالي أول لاعب في التاريخ يقود منتخب بلاده إلى ثلاثة ألقاب على صعيد المونديال.

"التجربة الأمريكية" ثم وزيراً للرياضة في بلاده

الأثر الكبير لبيليه لم ينحصر في الإنجازات التي حققها لبلاده فقط، بل امتد ليشمل العالم أجمع، إذ كان بيليه وما يزال بمثابة مَثَلٍ أعلى للرياضيين، بفضل سيرته الذاتية المليئة بالعبر ونضاله في سبيل تحقيق أهدافه، وطي عناد التحديات والعقبات التي واجهها.

وهنا لم يكن غريباً أن تسعى دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية لاستقدامه، بعدما قضى 19 موسماً مع سانتوس، ليلعب مع نادي نيويورك كوزموس عام 1975، وقد أسهم وجود بيليه مع كوزموس في زيادة الوعي بلعبة كرة القدم لدى الشعب الأمريكي، الذي كانت اهتماماته تنحصر بلعبة كرة القدم الأمريكية والبيسبول وكرة السلة.

وبالإضافة إلى ذلك، حرص بيليه على مشاركته في العديد من الأعمال الخيرية، عبر خوض مباريات استعراضية مع أبرز نجوم اللعبة على الصعيد العالمي سواء في البرازيل أو خارجها.

لذلك كان متوقعاً أن يتبوأ بيليه أكبر منصب رياضي في البرازيل، وهو منصب وزير الرياضة، ولمدة ثلاثة أعوام؛ من عام 1995 ولغاية عام 1998.

إحصائيات بيليه

الإحصائيات الرسمية الخاصة ببيليه كانت عرضة للتمحيص في كثير من الأحيان من قبل المؤرخين الرياضيين البرازيليين والعالميين، إذ تشير أرقامه الرسمية النهائية إلى خوضه عدداً إجمالياً من المباريات يبلغ 748 مباراة على صعيد الأندية والمنتخب البرازيلي الأول وكذلك منتخب بلاده العسكري، أما أهدافه فبلغت حصيلتها الإجمالية 775 هدفاً، فيما بلغ عدد مبارياته مع المنتخب فقط 92 مباراة وأهدافه الدولية 77 هدفاً.

ما سبق هو غيض من فيض السيرة التاريخية لهذا النجم، الذي لا تكفي بضعة أسطر للغوص في كامل تفاصيل حياته المثيرة.

شارك: