بطولة قطر "طوق النجاة"!

2023-03-26 12:40
من مباراة العراق وكوريا الجنوبية تحت 23 عاماً (ifa.iq)
إياد الصالحي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

في توقيت مثالي جداً، استثمرَ الاتحاد القطري لكرة القدم فترة التوقّف الدوليّة المُبرمجة لعموم الاتحادات الوطنيّة الـ 211، وفقاً لأجندة الفيفا للأيام (20-28 مارس/ آذار 2023) ليُطلق المُنافسة الدوليّة تحت 23 عاماً، والتي شاركت فيها عشرة منتخبات أولمبيّة آسيويّة، أنهت خوض جولتين من "دورة قطر" بنتائج متفاوتة، ولم يبقَ سوى الجولة النهائيّة بعد غد الثلاثاء.

المُهم في البطولة ليس ترتيب المنتخبات، بل نجاح الاتحاد القطري ومعه العراقي والسعودي والإماراتي والعُماني والكويتي في تجريب توليفة أولمبيّة رائعة من خلال منح الثقة لمدرّبين وطنيين وأجانب، تولّوا مهمّة القيادة في البطولة، حسب العناصر المتوفّرة في الأندية المحليّة والموجودة في الاحتراف، وكانوا بمستوى الطموح رغم حداثة التشكيل واللعب الدولي، لتغني البطولة الاتحادات المعنيّة بدروس فنيّة ستكون ذات جدوى في المستقبل القريب للإقرار بمدى صلاح اللاعبين من عدمه في تمثيل الأوطان.

المفرح أن بطولة قطر الدولية أفرزت في جولتي 22 و25 مارس الحالي، عن لاعبين صغار في العُمر وكبار في العطاء، تفاعلوا مع خُطط مدرّبيهم، وكانوا عوناً لزملائهم، وهدّدوا منافسيهم بتحرّكات دقيقة ومُنضبِطة، وسهّلوا من تقدّم منتخباتهم ضمن المراكز الأولى، ولفتوا إلى سطوع نجوميّتهم في هذا الزمن الذي يشهد النكوص في صناعة اللاعب الفذّ صاحب الموهبة الاستثنائيّة التي تبحث عنها الاتحادات الوطنيّة، فجاءت البطولة بمثابة "طوق النجاة" لها في ظلّ زخم الأجندة المحلّية لكلّ بلد، وغرق الاتحادات في أزمات الدوريّات والالتزامات الكروية الكثيرة التي تحول دون توفّر الوقت لاختبار المنتخب الأولمبي الذي يُمثّل خطّ الظلّ أو الرديف أو البديل للمنتخب الأوّل إذا ما أسنِد إليه تحمّل المسؤولية في ظرف ما.

تأهّل الإمارات برفقة كوريا الجنوبية إلى مباراة النهائي يؤكّد أن الاتحاد الإماراتي يعمل بصمتٍ ويجني الثمار اليانعة، وهو أبلغ رد على المتشائمين الذين تخلّوا عن متابعة اللعبة بسبب ابتعاد "الأبيض" عن مستواه خاصّة في بطولة كأس الخليج 25 في البصرة، ما دعا ذلك أحد مسؤولي مؤسّسات الدولة هناك بمطالبة أي لاعب مُرشّح لتمثيل البلد بتأدية القَسَم على اللعب بتفانٍ وحرصٍ عالٍ، فكان "العمل الهادىء وحُسن المثابرة" عنوان التحدّي للإمارات التي عثرت على جيل الأمل من طراز ياسر حسن وأحمد محمود ومحمد يوسف وعبد الله عبد العزيز، وهم يُنافسون على لقب البطولة القطريّة ومستعدّون للمضي إلى أبعد نقطة في عالم قهر المستحيل داخل المستطيل.

كما سيلعب منتخب الكويت مع نظيره التايلندي للمنافسة على المركز الثالث، ولديه تشكيلة جيّدة من المؤمّل أن تستعيد تألق "الأزرق" الذي يُعاني تبعات الإيقاف منذ عام 2015، وبفضل متابعة اتحاده تمكّن من دفع توليفة تضمُّ واعدين أمثال يوسف الحقّان وبدر المطيري وسلمان العوضي وطلال القيسي، أثبتوا مع أقرانهم أنهم على خُطى نجوم الكرة القُدامى إذا ما واكبوا الاعتناء بأنفسهم، ونفّذوا واجبهم في الموعد كلّما استنجدَ بهم مُنتخب بلدهم.

وتسببتْ خسارة منتخب العراق الأولمبي من الشمشون الكوري بهدف قاتل بابتعاده عن المنافسة على لقب بطولة قطر، وسيكتفي بلقاء شقيقه العُماني لتحديد المركز الخامس، وقد أولى المدرب راضي شنيشل، العائد لتدريب المنتخب بعد غياب دام 6 سنوات، الاهتمام كلّه بتحضير اللاعبين في برنامج قصير وجد نفسه مُجبراً بعده على حزم حقائب السفر إلى الدوحة من دون جاهزيّة، مُراهناً على خياراتهِ بإهداء العراق لاعبين أشدّاء من طراز زيد تحسين وكرار محمد وأحمد مكنزي وذو الفقار يونس وعلي الموسوي وعلي رضا حيدر "قصير القامة" الذي تنبّأ له المحلّلون الفنيّون بمستقبل باهر يُذكّر أبناء الرافدين بالماكر حبيب جعفر الذي كان يلعب في نفس المركز، والذي نال جائزة أفضل لاعب في بطولة كأس الخليج العربي التاسعة في المملكة العربية السعوديّة (2-18 مارس 1988). 

ولا تقلّ منتخبات عُمان والسعودية وقطر شأناً عن نظيراتها الإماراتيّة والكويتيّة والعراقيّة حيث وضَعَتْ منهاجاً مُنتظماً حاولت فيه تقديم رؤاها الفنيّة للسنين القادمة مع جيل جديد تأسّس وفقاً لقاعدة الرعاية التي لا تستعجل قطف الثمار غير الناضجة، ولنا في منتخب قطر الذي خطف كأس آسيا عام 2019 وشارك في تمثل العرب بمونديال 2022 خير نموذج، حيث واكب الاتحاد القطري تتبّع مراحل دعمه منذ عام 2014 عندما دأب 15 لاعباً على مواصلة التعلّم في أكاديميّة أسباير الشهيرة في المنطقة، حتى بلغوا سنّ المسؤولية مع المنتخب الأوّل وأسعدوا القطريين في حُقبة ذهبيّة تكلّلت بالمشاركات العربيّة والقاريّة العالميّة.

اتحادات كرة القدم العربية سواء المشاركة في بطولة قطر أم التي تعدُّ فرقها بعيدة عن الإعلام، مُطالبة بزيادة جُرعات الدعم المالي والمعنوي والنفسي لهذا الجيل، وتُخصِّص أفضل المعسكرات التدريبيّة له قُبيل بدء تصفيات كأس آسيا تحت 23 عاماً للفترة ( 4 - 12 سبتمبر/ أيلول 2023) وأسياد هانغجو (23 سبتمبر إلى 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2023)؛ فالبناء التصاعدي لمونديال 2030 بحاجة ماسّة لهِمَّة لاعبي هذه الفئة العمريّة ومسيرهم المتوازن في طريق اكتساب الخبرة وتحقيق نتائج متقدّمة تعزّز الآمال بالنجاح أوّلاً في قطع تذكرة العبور إلى أولمبياد باريس 2024.

شارك: