هدي النبيّ صلى الله عليه وسلم في المشي والمعايير الرياضية

2022-10-12 18:21
رياضة المشي يمكن للأفراد ممارستها من مختلف الفئات السنية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

إن للمشي فائدة كبرى في تقوية عضلات البطن والتخلص من ترهلات الجلد وضعف العضلات في هذه المنطقة، بالإضافة إلى تقوية عضلات الفخذين، كما يفيد في علاج المضاعفات المصاحبة للكرش مثل ارتفاع ضغط الدم والكوليسترول.

وأثر المشي يمتد إلى يومين بعد الممارسة حيث تبقى العضلات في حالة انقباض بعد الرياضة، مما يزيد من معدل حرق الدهون.

يقول الدّكتور محمّد حمودة: "وحتى تكون رياضة المشي مفيدة فلابد من السير بخطوة سريعة لزيادة ضربات القلب إلى المعدل المطلوب، فالمشي البطيء لا يؤدي الغرض المنشود، فإذا كان الشخص يمشي مثلاً بسرعة 2 ميل في الساعة، فإن استهلاكه من الطاقة يكون بمعدل 120 - 240 سعر حراري/ الساعة، أما عند السير بسرعة 4 ميل/ الساعة، فإن استهلاكه من الطاقة يرتفع إلى 360-420 سعر حراري/ الساعة".

هكذا كانَ مشي النبيّ صلى الله عليه وسلّم

وصفَ علي بن أبي طالب رضي الله عنه، النبي صلى الله عليه وسلم ومشيته، فقال: "لم يكن بالطَّويلِ المُمَّغطِ ــ البائن الطول ــ ولا بالقصيرِ المتردِّدِ وَكانَ رَبعةً منَ القومِ ــ معتدل القامة ــ ولم يَكُن بالجعدِ القَطَطِ ولا بالسَّبطِ، كانَ جعدًا رجِلًا ولم يَكن بالمُطَهَّمِ ولا بالمُكَلثَمِ وَكانَ في الوجهِ تَدويرٌ أبيَضُ مُشرَبٌ أدعَجُ العينينِ أهدَبُ الأشفارِ، جليلُ المُشَاشِ، وَالكَتَدِ أجرَدُ ذو مَسرَبةٍ ششنُ الكَفَّينِ والقدَمَينِ إذا مَشى تقلَّعَ كأنَّما يَمشي في صَبَبٍ ــ يميل في المشي إلى الأمام ــ وإذا التفَتَ التفتَ معًا".

وقد تحدّث ابن القيّم بشكلٍ مفصّلٍ عن مشية النبيّ صلى الله عليه وسلّم سواء أكان بمفرده أو بين أصحابه فقال: "فصل في هديه صلى الله عليه وسلم في مشيه وحده ومع أصحابه:

كان إذا مشى تكفأ تكفؤًا، وكان أسرع النّاس مشية وأحسنهم وأسكنهم، قال أبو هريرة: "ما رأيت شيئًا أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنّ الشمس تجري في وجهه، وما رأيت أحدًا أسرع في مشيته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنمّا الأرض تطوى له، وإنا لنجهد أنفسنا وإنه لغير مكترث".

وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مشى تكفأ تكفؤًا كأنّما ينحط من صبب" وقال مرة: "إذا مشى تقلع".

قلت: والتقلّع الارتفاع من الأرض بجملته كحال المنحط من الصبب، وهي مشية أولي العزم والهمة والشجاعة، وهي أعدل المشيات وأروحها للأعضاء وأبعدها من مشية الهوج والمهانة والتّماوت، فإنّ الماشي إمّا أن يتماوت في مشيه ويمشي قطعةً واحدةً كأنّه خشبة محمولة، وهي مشيةٌ مذمومةٌ قبيحة، وإما أن يمشي بانزعاجٍ واضطرابٍ مشي الجمل الأهوج، وهي مشيةٌ مذمومةٌ أيضًا، وهي دالّة على خفّة عقل صاحبها، ولا سيما إن كان يكثر الالتفات حال مشيه يمينًا وشمالًا.

ومن الممكن للإنسان أن يمشي هونًا، وهي مشية عباد الرحمن كما وصفهم بها في كتابه فقال: "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا" [الفرقان: 63] قال غير واحد من السلف: "بسكينة ووقار من غير تكبّر ولا تماوت، وهي مشية رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنّه مع هذه المشية كان كأنّما ينحطّ من صبب، وكأنّما الأرض تطوى له، حتى كان الماشي معه يجهد نفسه ورسول الله صلى الله عليه وسلم غير مكترث"، وهذا يدلّ على أمرين: أن مشيته لم تكن مشية بتماوتٍ ولا بمهانة، بل مشية أعدل المشيات.

المشي في وصايا الصّحابة والعلماء

ممّا ينسب لعلي رضي الله عنه أنه أمر بالمشي بعد العشاء، قال ابن القيم: والصحيح أن ذلك من كلام الحارث بن كلدة طبيب العرب، ونقله الغزالي في الإحياء عن بعض الأطباء، وذكره اليعقوبي في منظومة أدبة الأدب حيث قال:
واجتنب المنام قبل تمشى    مائة خطوة إذا تعشى

وكذلك قالت عائشة رضي الله عنها في وصف أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب رضي الله عنه: "رحم الله عمر كان إذا مشى أسرع، وإذا قال أسمع، وإذا ضرب أوجع، وَهُوَ الناسك حَقًا"

فمن خلال ما وصف به مشي النبيّ صلى الله عليه وسلّم وما كان يحرص عليه الصّحابة الكرام رضي الله عنه؛ فإنّ صورة مشيهم التي كانت عادتَهم جاءت متوافقة مع شروط المشي الرّياضيّة والطبيّة التي تحقّق الفائدة للإنسان في جسمه وبنيانه؛ وتقليد النبيّ صلى الله عليه وسلّم في طريقة مشيه كفيل بأن يحوّل رياضة المشي في سلوك المرء إلى منهج حياتيّ مستمر لا محض نشاط مؤقّت بوقت يخصص للتدريب والتمرين، واستصحاب نيّة الاتّباع للنبيّ صلى الله عليه وسلّم في هذا السّلوك يمنح صاحبه إلى جانب فائدة البدن؛ ربحًا كبيرًا من الأجر والسّكينة في الرّوح والطّمأنينة في القلب.

شارك: