تراوري.. الدبّابة البشريَّة

بولبابة الهرابي

بعد سنوات قليلة من مغادرته إسبانيا، حوّل الإسباني أداما تراوري نفسه إلى واحد من أهم اللاعبين تطوراً في إنكلترا، فلا أحد كان يتذكر الصبي النحيف داخل أكاديمية فريق برشلونة الإسباني "لاماسيا" التي لفظته لاحقاً وأوصدت أمامه جميع الأبواب بحجِّة كونه لاعباً عادياً لا يرتقي لمستوى طموح النادي.

لم تمنع التجربتان اللتان وُصِفتا بالفاشلتين لتراوري في فريقي أستون فيلا وميدلسبره، فريق وولفرهامبتون واندرز من إنفاق 20 مليون يورو للتعاقد مع اللاعب الإسباني (من أصل مالي) في عام 2018، وكان يبلغ من العمر حينها 22 عاماً، وقد حصل جدل كبير حول جدوى الصفقة التي وُصِفت بأنها أحد أغلى التعاقدات لفريق الذئاب، وتزايدت الشكوك حول أهمية التعاقد مع تراوري لا سيما مع الإخفاق الذي رافقه في موسمه الأول مع الفريق وفشله في فرض نفسه في المجموعة، لكنه نجح أخيراً في التعريف بذاته ملجماً أفواه كل المشككين في قدراته.

تكتيك نونو.. فجّر طاقة تراوري

في الموسم الحالي، تطور مستوى تراوري كثيراً تحت قيادة نونو إسبيريتو سانتو مدرب "الذئاب"، ولعب أداما 2147 دقيقة؛ أي ما يقرب من ألف دقيقة إضافية من اللعب مقارنة بالموسم الماضي، وقد سجَّل اللاعب المُلقَّب بالدبابة البشرية خمسة أهداف ومرَّر سبع تمريرات حاسمة في 28 مباراة.

جرّب تراوري العديد من المراكز في فريق نونو بالموسم الماضي، فلعب في مركز وسط الميدان الهجومي وأيضاً في مركز الظهير الأيمن، وحلَّ محلّ الإيرلندي مات دوهرتي، لكنه بالكاد قدم أداء مستقراً وقوياً في وقت لعبه المحدود.

ونظراً لإصابات مدافعي وولفز، ويلي بولي وريان بينيت، غيّر المدرب نونو تكتيكاته من 3-5-2 إلى 3-4-3 للتعامل مع المشكلات والنقص، وهذه التركيبة الجديدة مكَّنت مات دوهرتي من التعايش مع تراوري؛ فلعب الأول ظهير أيمن، والثاني في موقع الجناح، وكانت النتيجة جيدة، ولعل مباراة وولفرهامبتون على ملعب الاتحاد ضد مانشستر سيتي، أكبر دليل على نجاح التوليفة وخاصة نجاح تراوري في شن الهجمات الخاطفة المربكة لدفاعات سيتي.

القوّة البدنية

يمتلك تراوري تفوقاً جسدياً عند مقارنته بمعظم لاعبي الدوري الإنكليزي الممتاز، واستفاد اللاعب من هذا التفوق البدني، لكسب المواجهات الثنائية مع لاعبي الخصم، وتشير الأرقام إلى أن تراوري كان يخوض 21 مبارزة هجومية على الأقل في كل مباراة، وتكرر هذا الأمر في 19 مباراة. وأسهمت القوة البدنية للاعب وتوازن جسمه بالفوز بنسبة 56.3 ٪ من مبارزاته الهجومية.

ومن بين إحدى الطرق الممكنة المتَّبعة من بعض المدربين لتجنب المواجهة البدينة والحد من خطورة تراوري الهجومية، العمل على قطع الكرة قبل أن تصل إلى قدمي الإسباني، وبالتالي إبطال مفعول انطلاقته القوية والسريعة نحو المرمى.

السرعة والمراوغة

يعلم الجميع مدى سرعة تراوري الخارقة، ولكن النقطة الأكثر أهمية هي معرفته بكيفية استخدام هذه السرعة وتوظيفها في الوقت والمكان المناسبين، وتجد الإسباني مستعداً دائماً لاستغلال المساحة خلف كل خط دفاع متقدم، ويتقدم بخطوة أو خطوتين على المدافع قبل أن يمرِّر له زميله الكرة.
وهناك ميزة أخرى تساعد تراوري على الانطلاق بسرعة وهو استشعاره الجيد لما سيقوم به زميله فوق الملعب؛ أي إنه مستعد دائم للركض في الاتجاه الصحيح لمسار الكرة.

إلى جانب السرعة يملك تراوري سلاح المراوغة؛ ما يجعله لا يخشى التوجه إلى المدافعين مباشرة عندما تكون الكرة بحوزته، وقد قام الإسباني بـ 234 محاولة مراوغة هذا الموسم، ونجح في 70.09٪ منها، هذا العدد الإجمالي والجودة في المراوغات جعل اللاعب هو الأعلى بين لاعبي الدوري الممتاز. كما وزّع الإسباني 6.22 كرة عرضية في كل 90 دقيقة، وجاء خلف ترينت ألكسندر أرنولد لاعب ليفربول، وتفوق على البلجيكي كيفين دي بروين صانع ألعاب مانشستر سيتي.

خلق المساحات

لا يقتصر دور تراوري على الهجوم وتهديد مرمى المنافس فحسب، بل أيضاً على التحرك دون كرة، وهي خطة معتمدة من قبل المدرب نونو هدفها الاستفادة من الرقابة اللصيقة التي تفرضها بقية الأندية التي لا تخاطر بالسماح بلاعب فقط للتعامل مع الإسباني الذي غالباً ما ينجح في سحب أكثر من لاعب معه نحو وسط الملعب، وبالتالي خلق مساحات أكبر لرفاقه لشن الهجمات من الأجنحة.

قوة الشخصية

يتمتع اللاعب بشخصية قوية وتركيز ذهني عالٍ، ويتجلَّى ذلك في الظروف الصعبة والمواقف الحرجة التي يمر بها فريقه في أثناء المباريات، فما لاحظه النقاد، أن خطورة الإسباني وشراسته وقتاله فوق أرض الملعب تتضاعف كلما كان فريقه متأخراً في النتيجة، ونادراً ما يشعر بالخوف من المنافس وقوته.

وقد بينت بعض الإحصاءات أنَّ معدل ركض تراوري يزيد من 5.7 إلى 8.14، وترتفع نسبة مبارزاته الهجومية الناجحة من 56.3٪ إلى 59.5٪، كما تصبح تمريراته العرضية أكثر دقة من 33.9٪ إلى 39.1٪، ويحافظ في الخسارة على رقمه العالي ومعدل نجاحه في المراوغة من 16.77 إلى 70.3٪.