لماذا نصف رُوحَ الإنسان المَرِنِ بالرّياضيّة؟

2023-02-26 13:29
مصافحة وروح رياضية بين الإيطالي كارلو أنشيلوتي والألماني يورغن كلوب رغم هزيمة ليفربول (2-5) من ريال مدريد في ذهاب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا 2022-23 (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ما الذي يجمع بين الرُّوح ومفهوم الرّياضة؟

وماذا عنك أنت؟ هل تعتقد أنّك تتمتّع بروح رياضيّة؟

جاء في تعريف لفظ الرّياضة ومفهومها أنّه لفظٌ يجمع بين ثلاثة معانٍ رئيسة؛ هي النَّشاط والمرونة والتَّسهيل، فهو لفظٌ يجمع بين الحركة والمرونة والتّذليل، وفي سياقات أُخرى يُلحِقون بهذه المعاني ويضيفون إليها معنى التّنافس والتّسابق.

أمّا النشاط فقد يكون حركياً بدنياً عضلياً، وقد يكون فكرياً ذهنياً محلّه العقل، وقد يكون روحياً! 

نعم، لا تستغرب! قد يكون روحياً!  ألا تُعدّ ممارسة اليوغا -مثلاً- من الرّياضات الرّوحية أو النّفسية؟ بلى إنها كذلك، فالتأمّل حركة نفسية لتصفية الذّهن ويحتاج إلى مرونة ذهنية لإعادة ترتيب الأولويات التي ينبغي التفكير فيها، ولكي يتجاوز الإنسان الشوائب العالقة في الرّوح لا بدّ من تسهيل العوائق والمشكلات وتيسير العَقَباتِ والأمور العالقة في ذهنه وتذليلها؛ فاليوغا في المحصّلة حركة روحيّة نفسيّة تقوم على المرونة وتهدف إلى التّسهيل والتّهوين والتّذليل.

قد لا يروق الأمرُ لكثير من الناس الذين لا يؤمنون بجدوى الأفعال والممارسات التي تنطوي عليها اليوغا، لكن ذلك لا يلغي تصنيفها ضمن الرياضات العالمية، وقد اخْتُلِفَ في تسميتها ووصفها وتعريفها، فهي لدى بعض المُهْتَمِّين نشاطٌ نفسي، ويرى آخرون أنّها اتصالٌ روحيّ بالكون وما فيه، ولدى معظم الناس والعامة تندرج تحت الحديث عن ممارسة نوع من أنواع الرّياضات التأمّليّة.

نعود إلى المعاني الثلاثة الرئيسية التي جاءت في تعريف الرّياضة؛ فالمرونة أمرٌ متحقِّقٌ بالضَّرورة عند ممارسة أي نشاط بدني باستمرار، إذ تصبح العضلات ليّنة مرنة مطواعة خفيفة، والرياضيون وممارسو الرياضة بانتظام يدركون ما تعنيه هذه الكلمة وما تتركه من أثر إيجابي في البدن وما تعكسه من طراوة وليونة في الحركة وتطويع للجسم.

وأما التسهيل يا كرام، فهو التَّذليل والتّرويض وتدريب الجسد -إذا ما كان النشاط بدنياً- على القيام بحركات خفيفة ومنظمة ومتناسقة، يشعر بوساطتها المرء بسهولة الحركة وخفّة الجسد، ويدرك انتقاله بين مرحلتين واضحتين؛ مرحلة ما قبل ممارسة الرياضة، ومرحلة ما بعد ممارستها واعتيادها وصيرورتها جزءاً أساسياً من الرّوتين اليومي أو الأسبوعي.

وأمَّا التّنافس والتّسابق، فلا يخفى على امرئٍ ما تحمله المنافسة في طَيّاتها من غيرةٍ وتَرقُّبٍ، وغِبطةٍ أو حسدٍ في أحيان كثيرة؛ فالتّنافس يعني أنّ هناك سباقاً بين طرفين أو أكثر، وسينتهي هذا السّباقُ -بالتأكيد- بفوز طرفٍ واحد وغلبة الآخرين، ولك أن تتخيّل كَمّ المشاعرِ السّلبيّة ونوعَها التي سيحملها كلٌّ من الأطراف المغلوبة.

كل ما سبق شرح للركائز الأساسية لمفهوم الرياضية عامة والبدنية خاصّة، لكن ماذا عن الرّوح؟ وكيف للنّفس أن تمارس الرياضية؟ وما علاقة الروح بالرياضة حتى نصف الإنسان اللطيف المَرِنَ الذي يَتَقَبَّل ما يدور من حوله من مشكلات أو يَتَقَبّل ما يناله من خسائر بقَبولٍ حَسَنٍ وإيجابية عالية؟ كيف لامرئٍ أن يستقبل الفشلَ بابتسامةٍ راضيةٍ ونفسٍ حانيةٍ وواعدةٍ بنجاح قادم؟

من أين جاء الربط بين الرّوح والرِّياضة؟

إنها اللُّغة العربيّة يا سادة...

مثلما نَصِفُ اللّاعب الرياضي بالنشاط والقدرة الجسدية العالية ونميزه عن غيره من الناس بالليونة والمرونة وتطويع البدن؛ فإن الأمر نفسه ينطبق على الروح، وهذا ما يسمى بالانزياح اللّغوي الدّلالي، فالانزياح اللُّغوي يعني انتقال المعنى من مجال أو حقل لغويٍّ ما إلى حقل لغويٍّ آخر، والسائد والشائع في ذلك أن ينتقل المعنى من المجال الحسّي المادّي إلى  النفسي المعنوي، كقولنا عن مكان ما أنه ضيّقٌ، واستعمالنا اللفظ نفسه لوَصْفِ الشخص الحزين المهموم فنقول: "ضاقت نفسُه". 

وهناك ألفاظ تنتقل من الحِسِّي إلى المعنوي مع بقائها في الحقل اللغوي الأول وحفاظها على معناها واستعمالها فيه، وهناك ألفاظ تهجر الحقل اللغوي الأول هجراً تامّاً لتحافظ على المعنى الذي انتقلت إليه أو على المعنى المجازي لها فحسب؛ فانظر إلى قولنا: " أَوحَشَ الرَّجلُ أو تَوحَّش"، المقصود أنّه جاع، وقد جاء في أساس البلاغة للزمخشري قوله: "باتوا أوحاشاً: أي جوعى، وتوحّش للدّواء بمعنى أنه تجوّع له"؛ فمعنى التوحّش انزاح لغوياً ودلالياً ولم يعد يستعمل للدلالة على الجوع، بل صار يُستعمل -بِقِلَّةٍ- للدلالة السلبية على أسلوب الأكل الذي لا لباقة فيه!

وهكذا قياساً على ما سبق صارت روحُ المرء تُوصَف بالرياضيّة، إذ انتقل المعنى مجازاً من سياق الرياضات البدنية إلى أسلوب تقبّل المرء للخسارة أو الفشل، فلا بدّ أن يتمتّع بالمرونة والحركية (الديناميكية) والقدرة على تقبل المنافس واحترام قدراته والتسليم بنجاحه، بل يتعدى الأمر ذلك إلى مباركة انتصار الخصم على حساب الذات، وهذا تماماً ما يُسمّى بالروح الرياضية.

فالرّوح الرّياضية هي قدرة المرء على الاعتراف بفشله أولاً، وتقبّل قُصُورِه وأخطائه والعزم على تفاديها في مرات قادمة، وهي قدرة المرء على رؤية مزايا الآخرين، والاعتراف بتميز المنافس، وتقبل انتصاره بروح راضية تحمل الغبطة لا الحسد، وتَعِدُ صاحبها بتخطّي الفشل وتحقيق النصر والنجاح بكل ما أوتيت به من دماثة ومرونة وترويض للنَّفس.

جعلنا الله وإياكم من أصحاب الأرواح الرياضية في كل ما نواجهه من عوائق في دروب الحياة.

شارك: