ما معنى كلمة "كُرَة" في اللغة العربية؟

تحديثات مباشرة
Off
2023-11-15 19:17
كرة قدم (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

من أين جاءت كلمة "كُرَة" إلى الاستعمال اللّغوي؟ وما معناها الدَّقيق في معاجم اللغة العربية؟ 

لا بدّ أنّكم تساءلتم من قبل عن كلمة "كُرة"، وكيف تشكّل هذا الاسم، وأصبح كلمة تدلّ على الكرة التي نعرفها الآن. 

الكرة في معجم المعاني هي كل جسم مستدير، ومنه جاءت تسمية الكُرة الأرضية. وجمعها كُراتٌ وكُرًى. وكانت في القِدَمِ تُصنع من الجلدِ ونَحوه ليلعب بها الأولاد.

أمَّا أصل الكلمة فهو من الفعل "كَرَّ"، بمعنى جاء بعد أن عاد، وأقبل بعد أن راح وأدبر، وأقدم بعد أن أحجم، وتقدّم بعد أن رجع وتخلّف.

والكَرّ ضِدُّه الفَرُّ، فالكَرَّةُ هي الغَداة والعشيُّ، واسم المَرَّة من فِعلِ الإقدام والإقبال بعد الإحجام، ومن هذا المنطلق جاء لفظ الكُرة التي تتناولها أيادي اللاعبين أو أرجلهم في ساحات الملاعبِ، فهي بين إقبال وإدبار، وتناوب وتجاذب بين أعضاء الفريق نفسه، وبينهم وبين خصومهم أيضًا.

ولعلّنا جميعًا سمعنا من قبل بيتَ أمرئ القيس الذي يصف فيه فَرَسه، إذ يقول:
مِكرٍّ مِفَرٍّ مُقبِلٍ مُدْبِرٍ معًا  ----  كجُلمودِ صخرٍ حطّه السَّيلُ من عَلِ

يتحدث عن فرسه مفتخرًا بقوّته التي تدل بالضرورة على فروسية صاحبه، فيُصوِّرُ حركتَه في الإقبال والإدبار مستخدمًا صيغة المبالغة، بقوله (مِكرٍّ مِفَرٍّ)، واصفًا مهاراته في كثرة العَطفِ والانقياد لصاحبه، فهو كَرَّارٌ على أعدائه المرة تلو الأخرى، وما فراره إلا ليعود مهاجمًا مبارزًا، وقد استجمع قواه وأعدّها مجددًا للقاء التالي.

فالكَرُّ وَالفَرُّ فِي الحروب والنزاعات والقِتَالِ هو الهُجوم حينًا وَالتَّرَاجُع حينًا، لتهيئة الهجوم بعنفوان أكبر وقوة أشد، فحِصانه سريع الجري، قويُّ النَّفس في الإقبال والإدبار، جُلمودٌ كالحجر الصّلب العظيم، إذا ما أَقبَلَ من مكان عالٍ.

والكَرَّة اسم مرَّة من كَرَّ، بمعنى التَّرجيع، وقد جاء هذا اللفظ في القرآن الكريم بالمعنى نفسه، في قوله تعالى في سورة الملك: ﴿ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ﴾. ويقال: أعاد الكَرَّة بمعنى حاول مرَّةً ثانية، وحين نقول: كرَّة بعد كرَّة، فإننا نقصد مرَّة بعد مرَّة، وفي سياق الحرب والهجوم نقول: كَرَّ على؛ أي رجع رَجْعة وأعاد عليهم الكَرَّةَ بالهجوم والمباغتة. 

ومن معاني الكَرَّة البعث والتّجديد للخلق بعد فنائه، وفي هذا المعنى جاء قوله تعالى في سورة الشعراء: ﴿فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ﴾، أي لو أنّنا نُبعث مجددًا فنعود إلى الحياة ونغير وجهتنا التي اعتمدناها منهجًا لنا في حياتنا الدنيا. وجاءت الكَرَّةُ بمعنى استعادة الغَلبة والنُّفوذ والقوة، كما في قوله تعالى في سورة البقرة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا﴾.

ومن الاستعمالات المجازية للفظ الكُرة قولنا: "ألقى فلانٌ الكُرَةَ في ملعب فلان"، أو قولنا "ألقى الكرة إلى ملعبه"، أو "الكرة في ملعب فلان من الناس"؛ والمقصود بذلك أن الخطوة المنتَظَرة عند مَن بَقِيت الكرةُ عنده أو أُلقِيَت في ملعبه، فهو في مقام المسؤولية الآن، وفي ذلك إسقاطٌ معنويٌّ للعبِ بالكرة على الحقيقة والواقع.

وقد احتلّ لفظ الكرة نصيبًا واسعًا من أسماء أنواع الرياضات المختلفة، فكأن اللعبة الرياضية كلّها صارت تُنتَسب إلى هذه الكرة، على اختلاف ألوانها وأحجامها وأشكالها وأهدافها التي تسعى إليها، ألا نقول مثلاً: كرة القدم، وكرة السلة، وكرة اليد، والكرة الطائرة، وكرة التنس، وغير ذلك؟

فإذا كانت اللعبة في متناول الأقدام صارت كرة قدم، وإذا صار الهدف هو وصولها إلى السلة ومرورها من خلالها صارت كرة السلّة، وإذا ما تجاذبتها الأيادي لتحط في مرمى الخصم صارت كرة اليد، وإذا ما تطايرت فوق شبكة كبيرة تفصل بين الفريقين صارت الكرة الطائرة، وقِس على ذلك ما سواه، مثل كرة الطاولة، وكرة المضرب، أو التنس وغيرها، فالمحور المهمّ والمُعوَّل عليه في التسمية هو الكرة، بغض النظر عن الطرفين في اللعب والأداء، فسواء أكان الخصم فريقًا أو فردًا واحدًا، فإن الكرة وحدها هي المحور، وهي المستأثرة باسم اللعبة كلها!

ومن هَيمنة لفظ الكرة وشيوعه في الإطلاق على كلِّ جسم مستديرٍ، أنه انتقل إلى عالم الطّبّ أيضًا، فصرنا نقول كرات الدم الحمراء، وكرات الدم البيضاء، ومن تندُّر الرياضيِّين تعبيرهم عن عشقهم للكرة بقولهم، إن الكرة بل الكرات تمشي في دمائنا؛ قاصدين بذلك المعنى العلمي على الحقيقة، والمعنى المجازي الذي يدل على عشقهم للكرة وتعلقهم بها، حتى صارت رُكنًا أساسيًّا لا حياة لهم بدونها!

شارك: