ليونيل سكالوني: حياتك أو حتفك..!

تحديثات مباشرة
Off
2023-11-30 15:33
ليونيل سكالوني مدرب الأرجنتين يحمل كأس العالم قطر2022 (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

نجاعة أسلوب اللعب قد تأتي أحيانًا من تناغم الحالة النفسية بين المدرب ولاعبيه، فمع مدرب شاب مثل الأرجنتيني ليونيل سكالوني، يمكن وضع توظيف آليات الفريق تكتيكيًا في المرتبة الثانية.

أعترف بأنني متابع حصيف لمسيرة ليونيل سكالوني مع التانغو الأرجنتيني منذ أن بدأت مع المنتخب صيف عام 2018، وفي تصوري أن نقطة قوة سكالوني التي جعلته يقبض على زمام الأمور في المنتخب الأرجنتيني ويمسك بكل خيوط الألقاب، تعود إلى القوة الروحية العجيبة التي تتحكم في تفاصيل المشهد.

وعندما يتحدث المدربون عن كرة القدم، فإنهم يستخدمون مصطلحات مثل التكتيك والتكنيك وتقنية اللعب؛ لكن ليونيل سكالوني أثبت أن هذه المصطلحات مجرد رقص في الفضاء، أمام نجاعة القوة الروحية للاعبيه.

أستطيع القول وبكل تواضع إنني أول من تنبأ بعدم استمرارية سكالوني مع المنتخب الأرجنتيني، وتحديدًا بعد الفوز بكأس العالم في دولة قطر، لست لأنني "شاطر" في قراءة أرخبيل النفس اللوامة -لا سمح الله- لكن لأن استنتاجي بُني على تداعيات وقواعد فرويد في علم النفس.

بعد فوز الأرجنتين على البرازيل للمرة الأولى في قلب الماراكانا خلال تصفيات كأس العالم 2026، خرج علينا المدرب القيدوم (ذو الأنف الطويل) كارلوس بيلاردو بطل العالم مع دييغو مارادونا في مونديال المكسيك 1986 بتصريح قال فيه: "بهذا الزخم الحماسي يمكن لمنتخب الأرجنتين أن يخوض حروبًا وليس مجرد مباريات".

كلام بيلاردو في الأساس كان مبنيًا على الترابط "الهارموني" القوي بين اللاعبين والمدرب، ولم يكن له علاقة بأسلوب اللعب لا من قريب ولا من بعيد، وهذا يعكس حقيقتين في غاية الأهمية:

الأولى: قدرة سكالوني على تعويض فرضية تكتيك اللعب التقليدي بقوة روحية خارقة، تستدعي تغطية المساحات، حينها تتحول المجموعة داخل الملعب إلى خيول، وكأنك أمام لاعبين يتعاطون كل مشروبات الطاقة.

الثانية: سكالوني نفسه يدرك جيدًا أن وقود القوة الروحية بدأ ينفد رويدًا رويدًا، ومع الاستحقاقين القادمين (كوبا أمريكا صيف العام القادم وكأس العالم بعد ثلاث سنوات)، يلزم شحن البطاريات من جديد، لكن بمدرب آخر قادر على إضفاء اللمسة التكتيكية التي يفتقدها راقصو التانغو حاليًا.

ومن يشكك في تحليلي العميق لما يدور من صراع رهيب داخل عقل سكالوني، ما عليه سوى قراءة ما بين سطور تصريحه الذكي بعد الفوز على البرازيل، وهو تصريح بدا لي مزيجًا من الخروج الآمن من معمعة التانغو دون أن يفقد بريقه، ودعوة علنية لبناء أسلوب لعب جديد مع مدرب خبير، قادر على توظيف مواهب اللاعبين بنهج جديد.

لأكثر من أربع سنوات والمدرب سكالوني يعيش في متاهة قلق رهيبة، الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود، ولقد دفع ثمن حريق الأعصاب من صحته، حتى إن معدته حذرته من مغبة الاستمرار في هذا الحقل الملغم بكل الاضطرابات النفسية.

بدا سكالوني شاحبًا للغاية ممتقع الوجه، يتنفس بصعوبة، يقاوم آلام نفسية لا حصر لها، فخرج تصريحه ساخنًا، وكأنه ينفث كل النيران المستعرة في صدره.

وما أقسى أن يضع سكالوني نفسه وهو بطل العالم ولكوبا أمريكا بين خيارين أحلاهما مر: إما الموت داخل حقل مغناطيسي مكهرب، أو الحياة بعيدًا عن الملاعب بقلب بارد مثقوب من الألم.

لم يخفِ سكالوني نواياه عندما ألمح لوسائل الإعلام الأرجنتينية ليلة الفوز على البرازيل، أنه بصدد دراسة الابتعاد عن شر الضغط النفسي والعصبي مع المنتخب مع فاصل من الغناء.

كان سكالوني وقتها يتحدث بلسان رجل يحمل قلبه بين يديه؛ لكنه أخطأ عندما لم يطرح أمر إمكانية تخليه عن التانغو أمام اللاعبين مباشرة، وهو ما استدعى ردة فعل عنيفة من القائد ليونيل ميسي الذي دخل مع مدربه في نقاش غاضب دام 32 ثانية فحسب، قبل أن يقطع ليو المحادثة الخاطفة، تاركًا سكالوني في حيرة من أمره.

وما أشبه ليلة سكالوني ببارحة الإيطالي مارتشيلو ليبي، مع الفارق أن ليبي عندما قاد الأزوري للفوز بكأس العالم في ألمانيا 2006، وآثر أن يترك المسرح العالمي بعد حفلة التتويج باللقب مباشرة، بحجة أنه استنفد رصيده مع المنتخب الإيطالي، ولم يعد لديه أي جديد.

قد يتراجع سكالوني عن موقفه بالابتعاد عن المنتخب الأرجنتيني، ويستمر في تجربته القاسية تحت ضغط شعبي وسياسي، لكنه من دون شك سيعود إلى دائرة الشد والجذب، وعندها سيضع قلبه من جديد على محك أحد الخيارين: حياته أو حتفه...!

شارك: