بين "الكوتشينغ" والطب النفسي.. يتيهُ لاعبونا!

2023-01-30 23:01
صورة للاعب المغربي جواد اليامق خلال بطولة كأس العالم FIFA قطر 2022 (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يُعرَّف التحفيز بأنه عملية توجيه السلوكيات نحو تحقيق هدف أو تلبية حاجة محددة.

وبما أنَّ لكل فرد طبيعة مختلفة عن الآخر ستختلف المحفزات المناسبة لتنشيط دوافعه، ففريق كرة القدم يضم ثلاثين لاعبًا بشخصيات وخلفيات مختلفة.

لهذا يحتاج الفريق إلى متخصص يعرف كيفية التعامل مع كل شخص على حدة، ثمَّ توليد دافع مشترك للجميع نحو تحقيق هدف النادي.

فالحالة النفسية للاعبي أي فريق تلعب دورًا مهمًّا في نتائج هذا الفريق سواء فوزًا أو خسارة، وقد تكون هذه العلاقة سببًا في الخسارة حتى إن لم ينتبه اللاعبون والمدربون لذلك، وهو ما أكده الدكتور أدام نيكولز، صاحب أحدث كتاب صدر عن علم النفس والتدريب الرياضي، حيث انتقد أندية يظن مسؤولوها أنهم أدوا ما عليهم بالتعاقد مع مدرب يملك سيرة ذاتية رائعة وحقق نجاحات كثيرة سابقة، وأغلب هؤلاء المسؤولين لا ينتبهون أو يراجعون بين الحين والآخر العلاقة النفسية بين اللاعبين ومدربهم، والتي قد تكون هي الخلل الحقيقي وليس فكر المدرب أو أداء اللاعبين ومستواهم، فنادرًا ما نرى مسؤولي الأندية يفكرون في علاقة لاعبيهم النفسية بمدربهم قبل قرارهم الحاسم ببقاء أو رحيل هذا المدرب.

وتوضح الدراسات مدى انتشار الأمراض النفسية بين اللاعبين، ففي بحث شمل خمسمائة وأربعين لاعب كرة قدم محترف في خمس دول أوروبية، بلَّغ 43% من اللاعبين في النرويج عن إصابتهم بأعراض القلق أو الاكتئاب، وأظهر 74% منهم سلوكًا غذائيًا سيئًا، وفي إسبانيا  أظهر 33% من اللاعبين أعراض اضطراب النوم، وعدم الرضا الوظيفي بالضيق والاكتئاب وإدمان الكحول.

قضى دكتور تيم أوبراين نحو عقد من الزمن داخل أروقة نادي أرسنال كطبيب نفسي. ويؤكد أهمية العلاج النفسي في مساعدة اللاعبين على تخطي كل الأزمات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها اللاعب في أثناء المباراة، وبعدها، تزداد هذه الأزمات يومًا بعد يوم، مما يُثقل كاهل اللاعبين ويشتت أذهانهم في أثناء التدريبات والمباريات.

"يمكن للاعب كرة القدم اللعب لمدة تسعين دقيقة أو أكثر، أجل هي لعبة تكتيكية وبدنية وتقنية، لكنها أيضًا لعبة نفسية وتتطلب ذهنًا حاضرًا طوال الوقت، فقط تخيَّل السرعة التي تُلعب بها كرة القدم في الدوري الإنجليزي الممتاز والقرارات التي يتعين على اللاعبين اتخاذها، فهم يتخذون باستمرار قرارات وبسرعة كبيرة، وفي كثير من الأحيان بطريقة إبداعية".

الدكتور «فاينسنت غوتبارش» قبل التوقف أمام جملته التي كررها كثيرًا وفي أكثر من مناسبة، فإلى جانب أنه كان لاعب كرة أصبح رئيسًا للجنة الطبية بالاتحاد الدولي للاعبين المحترفين، وعينته اللجنة الأولمبية الدولية مسؤولًا عن بحوث الصحة النفسية للرياضيين، أما العبارة التي يرددها فاينسنت دائمًا فهي استغرابه من أندية كرة القدم الكثيرة في أوروبا والعالم كله التي على استعداد لأن تدفع الملايين لشراء مدافع أو مهاجم جديد؛ لكنها ترى أنه من الإسراف والعبث التعاقد مع طبيب نفسي متفرغ يبقى طول الوقت مع لاعبيها، وكانت المرة الأولى التي قال فيها فاينسنت ذلك حين أجرى دراسته الكبرى التي استمرت لسنوات وشملت ثلاثة آلاف لاعب كرة قدم محترف، وكان من أهم نتائجها أن 35% منهم مصابون إما بالاكتئاب أو بالإحباط.

يخطو عالم كرة القدم العالمية ببطء نحو تقبُّل الطب النفسي الرياضي، وفي عالمنا العربي لم نتعلم السير بعد. ما يزال اللجوء إلى الطب النفسي وصمة في بلادنا العربية.

فكل فرق العالم يوجد فيها أطباء نفسيون، لكن تظل التجربة بعيدة عن التطبيق في المغرب؛ نظرًا للفهم الخاطئ لكلمة طبيب نفسي. ففكرة وجود طبيب نفسي في الفريق تطرح علامات استفهام وتساؤل، نظرًا لخوف اللاعبين، وحتى لا يُقال عنهم "لاعبين مجانين"، فبدل الطبيب النفسي يلجؤون لكوتش.

وما يجري في المغرب يجري في باقي الدول العربية، إذ ما تزال الدول الأخرى بعيدة عن الطب النفسي الرياضي، وإن استعانت بعض الفرق بأطباء نفسيين قبل المباريات الهامة فقط.

انتشرت بالآونة الأخيرة بما يعرف بجلسات "الكوتشينغ" التشاركية بين "الكوتش" (المدرب) والمستفيد لإثارة الوعي والإدراك وتعزيز الإمكانات الشخصية، ويعد عالم "الكوتشينغ" عالمًا واسعًا قد تتداخل مفاهيمه في ظل وجوده بين الانتشار والموضة، وقد يخطئ الكثيرون فهم مصطلحاته ويصنف "الكوتش" ضمن الأطباء النفسيين.

والمفاجأة أن من يتحول (ممثل فكاهي) إلى كوتش يسدي النصائح (ويُفتي بدون وعي).. الكوتش لا يتعامل مع المشاكل النفسية أو العقلية أو السلوكية وإنما يتعامل مع شخص يواجه مجموعة من التحديات في الحياة أو العمل، ومن المستحيل للكوتش أن يحل محل الطبيب النفسي حيث إن القدرات بين الطبيب والكوتش مختلفة، وتشخيص الحالة وتحديد حاجتها إلى طب نفسي أو كوتش مختلفة.

ما يفعله الطبيب النفسي

السباح الأولمبي الامريكي مايكل فيلبس كان على قمة العالم بعد هيمنته على أولمبياد 2008 في بكين، لكن تضررت صورة البطل بعد تصويره يدخن الحشيش عام 2009، واعتقاله لاحقًا بسبب القيادة تحت تأثير المسكرات عام 2014، وأسفر الاعتقال عن حظره من المنافسة الرياضية لمدة ستة أشهر.

توجه فيلبس إلى عيادة نفسية لإعادة التأهيل في ولاية أريزونا، وطلب المساعدة من معالج للاكتئاب والقلق وأفكار الانتحار، بعدها عاد إلى دورة الألعاب الأولمبية عام 2016 في ريو دي جانيرو، وأصبح أكثر الرياضيين تتويجًا على الإطلاق بحصوله على 28 ميدالية، 23 منها ذهبية، ويركز فيلبس اليوم على تربية ثلاثة أولاد مع زوجته نيكول، والدعوة لتعزيز موارد الصحة العقلية.

وفي مايو/ أيار 2019، شارك فيلبس تغريدة حول رحلته مع العلاج النفسي قائلًا : "عانيت من القلق والاكتئاب وتساءلت عما إذا كنت أرغب في البقاء على قيد الحياة أو لا، عندما بلغت هذا الحضيض قررت طلب المساعدة من معالج مرخص، وفي النهاية ساعد قراري في إنقاذ حياتي، ليس عليك انتظار الأمور تسوء حتى تتصرف".

شارك: