ارفع رأسك فأنت مغربي عربي.. وافتخر

2022-11-28 17:25
لاعبو المغرب يؤدون سجدة الشكر بعد فوزهم على بلجيكا في كأس العالم (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم أتمالك نفسي وأنا أتابع المواجهة المغربية البلجيكية، قفزت رغم سِنِّي، حضنت من أعرف ومن لا أعرف، صرخت وركضت وقفزت "هستيريًا" بأركانها المتكاملة، وتذكرت لحظتها لقاء المغرب والبرتغال 1986 بالمكسيك ، وفوز الأسود بنتيجة 3-1، والمواجهة ضد اسكتلندا سنة 1998، والفوز 3-0 بفرنسا، وخروج شعب بأكمله فرحًا بإنجازات منتخبه. 

 السيناريو تكرر لكن المشهد ضد بلجيكا مختلف تمامًا؛ لأنه في وطننا العربي قطر وبنكهة عربية خالصة، رميت كل الوقار خلف ظهري وتحررت من كل عين تراقبني بمكان فيه المئات يشاهدون المباراة، كنت أنا بطبيعتي وفطرتي هادئًا، وبدأت أقفز وأهرول هنا وهناك، ماذا عساي أن أفعل!؟.. إنه الحب وجنون حب الوطن والتشبع بالعروبة، انتصار على من يستصغرون العرب، إنه انكسار وتحطيم للصورة النمطية الغربية تجاه كل ما هو عربي.

فالإعلام الغربي عمومًا يكرس ويبرمج صورًا نمطية أو ذهنية، سالبة للدول العربية بصفة عامة والرياضة بصفة خاصة، وهي صورة تربط المنتخبات العربية بانعدام الكفاءة والمهارة وهزالة البنية الجسدية، وعدم قدرتها على مجاراة المنتخبات الأوروبية، لأنهم الأقوى والأجدر وهزيمتهم أمر مستحيل، هكذا يؤمنون وهذه رؤيتهم بل ينفقون أموالهم لترسيخ هذه الصورة في أذهان العالم في كل المجالات.

 تخيل معي أنك لا تجد في الإعلام الغربي أي خبر عن المنتخبات العربية المتميزة، وإذا وجدت فإنه لا يتعدى أن يكون خبرًا خجولاً بين آونة وأخرى، ما وقع لدولة قطر منذ ظفرها بتنظيم كأس العالم، وما واجهته من حروب، يظهر هذا التكالب المجنون، والمرض الذي أُسميه (بجنون عظمة الغرب) على شاكلة مرض جنون البقر؛ لكن قطر ملقحة من كل الأمراض والأعراض الغربية الغريبة، إلى أن صعقتهم بكل ما لا يمكن أن يتوقعه المرء حتى في الخيال، ببنيات تحتية هي الأولى عالميًا بتميزها، وكل الظروف متاحة كبيرها وصغيرها، وزاد طِينَهُم ماء في افتتاح  عربي إسلامي عالمي ناجح بكل المقاييس، وحضور جماهيري للقاءات فاق كل التصورات، وقوض كل خططهم المنسوجة من خيالهم.

صورهم النمطية والنظرة السالبة، والتي لا تخلو من حسدٍ، وغيض، وكراهية، قد تبددت من خلال الفوز التاريخي للمنتخب المغربي على نظيره البلجيكي في أكبر مفاجآت المونديال بنتيجة 2-0، فوز تاريخي للأسود على المنتخب البلجيكي، قادر على تعريف المجتمع الدولي والغربي بإمكانيات المنتخبات العربية وقدراتهم الهائلة ومستوياتهم المتقدمة؛ كما هي فرصة عظيمة للتخفيف من المفاهيم الخاطئة والتحيز ضد الثقافة العربية الإسلامية بشكل خاص، وتغيير الصورة السلبية القاتمة التي يحاول بعضهم ترسيخها عن الرياضة العربية.

تخيلوا معي أن الصحافة البلجيكية قزمت من لاعبي المنتخب المغربي، قبل اللقاء واعتبروه مجرد رقم لا حظوظ له، قبل أن يستفيقوا على زلزال هزيمة تحت سلم عربي، عذرًا للعالم تشارلز فرانسيس ريختر، لأنه المعروف في قياس الهزات الأرضية، لكن المغاربة كانوا الزلال في الأمس؛ إذ زعزعوا كيان البلجيكيين وجعلوهم يحولون أقلامهم إلى أسواط يجلدون بها منتخبهم، وشنوا حملة قوية على لاعبيهم وفنييهم، "هستيريا لا مثيل لها" هزت أوروبا بكاملها؛ لأنها ثورة عربية تنظيمًا وأداءً وسلوكًا وأخلاقًا وممارسةً ونديةً من خلال فوز الأسود، فجلدهم إعلامهم بدون شفقة ولا رحمة، أتدرون لماذا؟!.. لأن مَن طَأْطَؤُوا له الرأس هو منتخب مغربي عربي.

الصورة الجديدة اتضحت معالمها عوضًا عن صورهم المزيفة، وستكون قائمة على معزوفة الأداء المتميز للأسود، ولن أقول الأطلسية نسبة لجبال الأطلس المغربية بل الأسود العربية الأصيلة من المحيط إلى الخليج، صورة تؤكد الحضور العربي، وأن خارطة الكرة العالمية الجديدة -رغمًا عن أنوفهم- عرفت تحولات جذرية، والتموقع العربي فيها فرض نفسه على جميع الأصعدة، أفقيًّا وعموديًّا . 

الفوز المستحق، الذي صنع الحدث الأهم في مونديال قطر، إذ قهر المنتخب المغربي بلجيكا، التي يقودها هازارد ودي بروين ولوكاكو وغيرهم من النجوم الذين استسلموا أمام بسالة الرجولة العربية، الآن بإمكان الألمان أن يضعوا أيديهم على قلوبهم؛ إذ إن العرب قوة وصناعة رياضية قادمة بكل طاقاتها لتزيح أيديهم عن أفواههم.

لم يتهيب المغاربة الموقف ولم يستمعوا لكل التوقعات ولا التكهنات التي كانت تتردد بأن هازارد ورجاله سوف يدكون المرمى المغربي، ولكن رجالنا وأسودنا حلَّقوا بعيدًا فوق هامات السحب بانتصارٍ كرويٍّ وحَّد الشعوب العربية، حيث أقيمت الاحتفالات في جميع أنحاء العالم أينما وجد العرب. وأظهر هذا الفوز مدى حب الشعوب والقيادات العربية والإسلامية لهذا البلد العربي.

المنتخب المغربي ونظريات الكرة

أسود غيروا نظريات كرة القدم، وقلبوا موازينها المعروفة، وكتبوا تاريخًا جديدًا لها، فقد فازوا بإيمانهم أن لا مستحيل أمام العزيمة الشديدة والإرادة الصلبة والثقة بالقدرات والنفس، انتصروا بقلوبهم وأقدامهم العربية الذهبية، وحوَّلوها إلى ما يشبه السيوف من فرط قوتها عندما تلتحم وتقطع وتمرر وتسدد، وعندما تسجل وتقف ندًا للند.

لقد رفض المنتخب المغربي كل الأحاديث عن فارق المستوى، رفض الخوف، حَوَّله إلى شجاعة متناهية، وقلب المباراة من هزيمة ذهنية من خلال رسائل ووسائل الإعلام الغربي، وحاول أن يبثها بطريقته ويزرعها في ذهن لاعبينا، إلى فوز بجدارة واستحقاق، وقدَّم أحلى فوز في تاريخ العرب وكرة القدم بعد إنجاز السعودية أمام الأرجنتين، نعم المنتخب المغربي قدم يومًا للتاريخ، وكان طوال عمر المباراة فوق هام السحب، لم يتخاذل بل كان يقارع ويجالد ويكافح، ولم يتأوه ولم يتراجع من منتصف الطريق؛ فكان النصر البَيّن.

نعم أسودنا كانوا على قدر التحدي ورأينا بأعيننا وبشهادة العالم بأسره أن هذا المنتخب لن يكون ضيف شرف بل سطر للتاريخ الكروي كيف تكون الهمة العالية قادرة -بقوة الله وحسن التوكل عليه- على حجب شمس بلجيكا، المنتخب المصنف الثاني عالميًا في كرة القدم والمرشح لنيل كأس العالم.

ما ألذ طعم الفوز والحكم يعلن انتهاء المباراة، وما أجمل فرحة الجماهير بهستيرية، وخروج كل الجماهير المغربية في المدن والقرى، فرحة بنشوة الانتصار، وما أعظم أن تكون أمس مشجعًا عربيًا، قمة الفخر والنخوة والأصالة العربية.

ليس صدفة.. ولن نقول معجزة.. ولا علاقة للحظ بها هي عزيمة ورجولة، هم أسود، لا والله هم كانوا أمام بلجيكا جنودًا لا يخشون أحدًا يضحون بأرواحهم في وطنية لا تختلف عن جندي يضحي بروحه من أجل أن ترتفع راية هذا الوطن العربي عاليًا، والمستحيل ليس عربيًا مغربيًا 

برقيات مستعجلة:

إن مشاركة أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني المشجعين المغاربة احتفالاتهم، سيكتبها التاريخ بمداد الفخر، بعد فوز "أسود الأطلس" على بلجيكا 2-0، تركت انطباعًا مميزًا في كل الأوساط الشعبية المغربية، إذ تداولوا مقطع فيديو يظهر من خلاله أمير دولة قطر، وهو يوجّه التحية لجماهير المنتخب المغربي، والتي صبغت مدرجات ملعب الثمامة باللون الأحمر، والذي يمدّد أفراح العرب في البطولة بعد الفوز التاريخي لمنتخب السعودية على الأرجنتين 2-1 في بداية مشواره في البطولة.

ارفع رأسك أنت مغربي عربي، العالم أمس كله وقف لك احترامًا؛ وأنت تهزم المرشح لتحقيق الفوز ببطولة كأس العالم، لِمَ لا وبلجيكا هي واحدة من ثلاثة منتخبات، إلى جانب البرازيل وفرنسا، وصلت إلى الدور ربع النهائي في آخر بطولتين لكأس العالم.

لنفرح ولنكمل دعواتنا ودعمنا لمنتخبنا حتى نتأهل للمراحل القادمة -بإذن الله- نحن قادرون على صناعة المنجزات وتحقيق الآمال، لا نعرف في قاموسنا كلمة المستحيل؛ لأن الدماء التي تجري في عروقنا عربية بلون العلم المغربي، كم تغمرني مشاعر الفخر بوطننا وعروبتنا.

للأسف كنت أرغب أن أكتب وأكتب، لكن لا أريد أن أطيل عليكم.
‏‏هنا يتوقف نبض قلمي، وألقاكم بعد لقاء المغرب وكندا، دعواتنا مع إخواننا السعوديين والتونسيين والمغاربة، وكل التوفيق والنجاح للعرب.

شارك: