إرنست همنغواي.. المغامر والملاكم وعاشق كرة القدم!

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-06 20:36
رياضة كرة القدم تستهوي نخبة الأدباء على مستوى العالم (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

«تلك المشاعر التي تفيض، فتخرج على شكل دموع، فتعجز أجسامنا عن استيعابها؛ لتخرج على شكل دموع!» بهذا الوصف الساحر لحدود الدهشة يقبض إرنست همنغواي (21/7/1899 ـــ 2/7/1961) على الصيغة المثالية في شرح حالة البكاء الصادق! كأنه بهذه الصورة يعيد صياغة شواهق الذكريات التي ينهش الموت أساساتها على غفلة من عيون الزمن، فتنهار دون أن تسأل أحد كيف تغور؟ مثل النيران التي تلتهم كلّ شيء حتى بقايا القبور! 

الوصف المترف بالبلاغة ستبدده مفارقات الحياة، عندما تشاء الأقدار لصاحبه مع تاريخه العامر بالأدب والإبداع، أن ينهي حياته منتحرًا ببارودة صيد! الرجل كان من أبرز وجوه الأدب المشرقة في القرن العشرين، ميزته تجلّت من خلال تجديده وقوته في التأثر من «الشمس تشرق أيضًا» إلى «خلف النهر وتحت الأشجار» مرورًا بـ «وداعًا للسلاح» و«لمن تقرع الأجراس؟» تمكّن أدب همنغواي من رصد المعاناة الإنسانية! 

لكنّ قصّة انتحاره ظلّت لغزًا، خاصةً بعدما فجّرت الأوساط الصحفية في أمريكا ما يشبه قنبلة إعلامية على شكل سؤال استقصائي: هل اغتالت الـ «إف ـ بي ـ آي» همنغواي فعلًا بالضغط عليه ودفعه إلى الانتحار!

وأتى ذلك بعد أن فضح الناقد آرون إدوارد هوتشنر أشهر كُتّّاب سيرة همنغواي، وأحد أقرب أصدقائه تفاصيل لم تكن معروفة لأحد، عندما قال إنّ الـ «إف ـ بي ـ آي» لم تكتفِ بالتجسس على صاحب «الشيخ والبحر» طيلة ربع قرن، إنما استثمر الحال الصحي الذي كان عليه، وظروف اكتئابه، حتى داخل «مصحّة مايو» التي كان يُعالج فيها، ولاحقته وتجسست عليه حتى ما قبل وفاته. هذا كان بمثابة تمهيد لطرح ذلك السؤال الخطير عن إمكانية أن يكون اُغتِيل ولم ينتحر! 

همنغواي الذي ربما تكون أمراض الشيخوخة والسكري هي التي دفعته إلى الاكتئاب، خاصةً أنه كان يستمد أدبه من معايشاته وتماسّه المباشر مع الناس، وتفحّصه الحكيم للواقع، فقد كان يمتاز بشخصية حيوية ورشاقة حاضرة منذ بداياته، إذ تروي الكتابات الصحافية أنه دخل مرةً مقهى «دينغو» في باريس، وكان حينها مجرّد كاتب مغمور راح نحو الروائي الكبير سكوت فيتزجيرالد وقال له: «يا سيد فيتزجيرالد، اغفر لي، لكن اسمي إرنست همنغواي، أنا كاتب» وقد ثملا تلك الليلة حتى الفجر وتشاجرا على نفس الطاولة وظلّا أصدقاء فترة طويلة رغم الكثير من الخلافات التي كانت تطفو في كل مرةٍ يجتمعان بها، إلى أن حدثت القطيعة الكبرى حينما كتب همنغواي عن هشاشة سكوت وضعف تكوينه الجسدي وعلاقته المضطربة بزوجته زيلدا.

إلّا أن القدر أثبت العكس حيث إن همنغواي هو مَن انتحر! فيما كان وليام فوكنر يَعتبر همنغواي كاتبًا شعبيًّا لن تُخلَّد ذكراه، فيقول عنه: "لم اقرأ لهمنغواي كلمة قد ترسل قارئًا إلى قاموس!"، بينما يرد همنغواي "فوكنر فقير. هل يعتقد حقًّا أن المشاعر الكبيرة تأتي من كلمات كبيرة؟ فوكنر ينتهي ما إن يبدأ".

اللافت أن مثل هذا النفس العالي غالبًا يأتي من مغامر أو رياضي أو محب للرياضة، وهو ما كان عليه همنغواي الذي توظف في أعمال غريبة، منها سائق سيارة إسعاف خلال الحرب العالمية الأولى، وذلك إبان دخول الولايات المتحدة في الحرب العالمية الأولى، في نيسان (أبريل) 1917، إذ تقدّم حينها للجندية، لكنه رُفض بسبب ضعف بصر عينه اليسرى؛ فتطوع للعمل سائق سيارة إسعاف مع الصليب الأحمر! كما سبق وعمل في إحدى المزارع قبل أن يصير مراسلًا حربيًّا مميزًا.

 لكن أبرز ما تفيد فيه سيرته الذاتية عن أنه كان مولعًا بكرة القدم، قبل أن تستهويه مصارعة الثيران التي تابع مبارياتها وصَادَق مشاهيرها وألّف عنها كتابًا كاملًا، علمًا بأن مرحلة الدراسة الابتدائية أظهر ميلًا شديدًا إلى الملاكمة وكرة القدم، وظل يمارس الهوايتين معًا، لدرجة أنه احترف الملاكمة فيما كانت رحلات صيد الحيوانات والطيور والأسماك هوايته المفضلة، فيما انتدبته جريدة «تورونتو ستار» في مارس (آذار) 1921 للعمل مراسلًا حربيًّا خلال الصراع التركي - اليوناني في الأناضول.

في السنة التالية، كلّفته بإنجاز سلسلة تقارير صحفية في إسبانيا عن عالم مصارعة الثيران. ومن تلك التجربة استوحى رائعته «موت في الظهيرة».

فيما سافر إلى أعماق أفريقيا سنة 1934، حيث قضى مدة طويلة في صيد الحيوانات المفترسة وعاد مُحمّلًا برؤوسها، وسجل ذلك في روايته «ثلوج كليمنغارو».


 

شارك: