هل تُعدّ الرياضة عنصرًا من عناصر الثَّقافة؟

تحديثات مباشرة
Off
2023-10-24 19:37
كرة قدم (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تُعدُّ الرياضة وكذلك الأدب عنصرين أساسيَّين من عناصر الثَّقافة، فلكلِّ شعبٍ أدبٌ محبّب يميّزه عن غيره من الشعوب، ولكلِّ أُمّة هَوى رياضي مختلف عن غيرها من الأُمم. ولا تخلو ثقافة أي عرق من الأعراق البشرية من الرياضة والأدب، فالرياضة هي التعبير الأقوم عن شوق الأبدان للحركة والصحة والسلامة، والأدب غذاء العقول وشَغف الأرواح وشوقها للبوح وبث الهموم والمشاركة والسكينة.

شغلت الرياضة البدنية والذهنية على حدٍّ سواء مكانًا مهمًا لدى معظم النّاس، فهي كالحاجة للمعرفة والأدب والفن والموسيقى، وكما يعكس الأدب الواقع الذي نعيشه بما فيه من محاسن ومثالب، فإنّ تقدّم الشعوب وارتفاع سويّة حضاراتها يتجلّى في الرياضات التي يمارسها أبناؤها، فالتطور المعرفي وارتفاع الذوق الأدبي مرتبط بالمطلق بتقدّم العناية بالحركة والنشاط الجسدي والرياضة وأنواعها المختلفة، فالإنسان ابن بيئته وحصيلتها كما يقول ابن خلدون: "الإنسان ابن بيئته... فسلوك الإنسان وطباعه وثقافته ما هي إلا امتداد لعناصر بيئته وطريقته في التواصل والتعاطي معها، فهي التي تصقله وتلونه حسب جغرافيتها ومناخها".

ولأن الإنسان ابن بيئته؛ فإنه يَتَقَولَبُ ويتشكّل بناءً على معطياتها وتأثره وتفاعله معها، وتطور البيئة يفضي بالضرورة إلى تطور الإنسان، وبالتالي إلى تحسين مخرجاته الفكرية والبدنية التي نرى مظاهرها في الاكتشافات العلمية الجديدة، وجودة الأداء فيما يحتاج تفاعلًا بدنيًّا من النشاطات المتنوعة؛ وتحديدًا في المجال الرياضي.

لماذا ينظر الناس إلى الرياضة على أنها نشاط للَّهو والتسلية فحسب؟

يُخطئ كثيرٌ من الناس حين يعتقدون أن الرياضات محض تسلية للشعوب، ويخطئ أكثر مَن يظن أنّها مضيعة للوقت، ولا طائل من ممارستها أو متابعتها، ففي الجانب الأول فيما يخص ممارستها فإن أبسط التمارين الرياضة إذا ما داوم عليها المرء لفترة وجيزة؛ وجد فوائدها الكثيرة في جسده ونفسه من ليونة ومرونة وسهولة في التحرّك وارتفاع في النشاط البدني والذهني، إلى صفاء في النَّفْسِ وطول في النَّفَسِ وقدرة على التحكّم في الحالة المزاجية والنفسية التي تتناوب الإنسان بين ضيق الصدر وانقباضه وانشراحه وسروره.

أمّا على الطرف الآخر الذي يخصّ متابعة الرياضات والمباريات، إلى جانب الترفيه عن النفس، وهذا حقّها علينا، مع اختلاف الميول والأمزجة بين البشر؛ فإنّ في متابعتها– باعتدال وبدون إهمال للأولويات- هيكلةً لمشاعر الإنسان وانفعالاته، فهي أشبه بالمعادل الحسّيّ الذي يُخرج مكنونات الإنسان ويخفف عنه أو يخلّصه من عبء حملها أو تركها مدفونة في أعماق النَّفس، فعند متابعة الرياضة ومبارياتها ومسابقاتها تطفو على السطح مشاعر الفرح والفخر، وتتحفّز مشاعر الترقب والخوف من الهزيمة، وتشتعل جذوة الطموح ويتذوّق المشاهِدُ المتفاعِل معها طعم الفوز والانتصار على الخصم.

وتؤكد للمرء أهمية التعاون والعمل الجماعيّ، وأهمية التركيز على القدرات الفردية لكلّ إنسان واستثمارها، وتنقله ليحيا معاني الأخوة والصداقة والوفاء، ويصل الأمر إلى تضخيم الشعور الوطني والقومي في المباريات العالمية، والإحساس بجماله ولذة الانتماء إلى أمّة كبيرة تساند بعضها فتفرح معًا وتحزن معًا على قلب واحد وبُنيان واحد. ومثل ذلك لا بدّ أنه يُكسب المرءَ صفات أخلاقية ومعنوية ومزايا ذوقية وجمالية كثيرة. 

الرِّياضيّ المثقَّف أم المثقّف الرّياضي؛ أيُّهما أفضل؟

إذا كنا نعتقد أن الثقافة هي الإلمام العلمي والاطّلاع المعرفي الواسع والتنزّه في رياض العلوم والفنون واقتطاف زهرة من كلِّ حقل؛ فإنّ الرياضة حقل معرفي كبير، وعمود من أعمدة الحضارة الإنسانية. أمَّا أن تكون مثقفًا ورياضيًّا في الوقت نفسه فهذا أمر طبيعي إلى حدٍّ كبير، لكن أن تكون رياضيًّا متقنًا ومثقفًا منفتحًا على الواقع انفتاحًا حضاريًّا فإن في ذلك فوزًا عظيمًا لشعبك وأمتك.

فالشهرة التي يحظى بها الرياضيون المبدعون اليوم وانتشار أخبارهم والأعداد الخيالية للمتابعين لهم من كل أنحاء العالم؛ تؤكد أهمّية إخلاص النيّة وإتقان خطّة المسعى، والحثّ في السير نحو التقدّم والتغيير الإيجابي الذي يطال مناحي الحياة كلّها، فكما يقول الكاتب والروائي الأمريكي دون ديليلو (Don Delillo):"إن مشاهدتنا للمباراة لا تغير من طريقتنا في الانتخاب أو تسريحة شعرنا أو تربيتنا لأبنائنا، بل تغير حياتنا".

شارك: