ليفربول.. كيف ولماذا وما السبب..؟!

2022-09-17 20:13
ليفربول يعاني من تراجع النتائج في الموسم الحالي 2022-23 (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

قلبي مع الألماني يورغن كلوب، مدرب فريق ليفربول الإنجليزي، في ظل المعاناة النفسية هذا الموسم، والتي بلغت ذروتها أمام نابولي الإيطالي في مستهل دوري أبطال أوروبا، وعقلي لا يؤيد برودة ردود أفعاله المستندة على تدابير سطحية لا تغني ولا تسمن من جوع.

عواطفي كلها مع هذا الألماني الذي نقل ليفربول في 5 سنوات من خانة الظل إلى قمة المنافسة المحلية و الأوروبية، لكن عقلي يرفض تعليق ما يحدث للريدز من تراجع في منسوب الأداء على شماعة الحظ العاثر والتوفيق الغائب والإنهاك البدني والتفريط في السنغالي ساديو ماني.

بادئ ذي بدء أعترف بأن الحظ موجود في كرة القدم بنسبة كبيرة، غير أن الحظ لا يأتي إلا للمجتهدين والمثابرين ويدير ظهره للمتقاعسين، كما أن التوفيق له أيضاً دور فاعل في حسم مباريات كرة القدم، لكنه لا يأتيك على طبق من ذهب دون تركيز و حسابات أخرى ليس من بينها الاستعانة بعفريت من الجن.

حتى الآن لا أعلم شيئًا عن الأبعاد الموضوعية والفلسفية التي تستدعي تعاطي يورغن كلوب مع الأحداث السيئة التي تتوالى على ليفربول كالعواصف بمنطق التريث والصبر دون تدخل منطقي حاسم يعيد للاعبين توازنهم النفسي.

الواقع أن ما يحدث لليفربول هذا الموسم أزمة نفسية وفنية مُستحكمة، وليست مجرد مشكلة طارئة يمكن تجاوزها بالصبر وبقليل من الاجتهاد، فالتشخيص في هذه الحالة نصف العلاج، والنصف الآخر يعتمد على كلوب نفسه في تلافي الصدإ الفني الذي علق بالمنظومة ويؤدي بطبيعة الحال إلى اختناق تكتيكي يصيب تركيز اللاعبين في مقتل.

ومن يتابع المشهد الليفربولي منذ بداية هذا الموسم في الدوري الإنجليزي الممتاز، سيكتشف أن ليفربول  يعاني من جلطات فنية وتكتيكية متسارعة أدت إلى اختناق في الشرايين، ونتج عنها  تصلب في منظومة اللعب وخروج للمرونة عن الخدمة، وما أخشاه أن تستفحل هذه الجلطات وتتحول إلى ذبحة نفسية قاتلة.

الحقيقة التي يدركها كلوب ولا تقبل النقاش تتعلق بتلك الأخطاء الواضحة داخل الملعب، سواءً من حيث شاكلة اللعب المتنافرة و غير المتجانسة، مروراً بالدور المحتشم الذي لا يتناسب مع مؤهلات المصري محمد صلاح، ونهاية بالشرود الذهني الذي يفقد البناء الفني كل التركيز.

مشكلة الوسط أنه أصبح بلا حل، وما زلت عند قناعتي بأن هذا الخط لابد أن يتعزز بلاعب فنان يمتلك وعيًا تكتيكيا أكبر، لأن التدفق الهجومي حاليا في ظل هذه الأدوات الصدئة يبدو بطيئًا ومكشوفًا ومن السهل على الخصوم تدميره.

لاحظوا أن مشكلة ليفربول المستعصية من شقين: نفسي و تكتيكي، ويمكن إضافة الوافدين الجدد الذين لم يكونوا على مستوى طموحات فريق كبير مثل ليفربول، وهنا مربط الفرس كما يقولون.

نفسياً: يعاني ليفربول من تآكل في المعنويات ومن تصدع داخلي يبرز بصورة لافتة للأنظار في لامبالاة اللاعبين وقلة تركيزهم وسرحانهم وعدم جديتهم، كما لو أننا نشاهد فريقاً مصاباً بالتخمة الكروية، حيث الترهل المهاري يبدو واضحاً والتشبع المعنوي يبدو ظاهرا.

تكتيكيا يعاني (الريدز) في ظل قناعات كلوب الغريبة التي جعلت من خطوطه حقلا للتجارب، وأدخلت الفريق في غيبوبة بلا قرار استنزفت كل الرصيد البدني، و إليكم هذه الأدلة الساحقة الماحقة:  

أولاً: في عمق الدفاع لا يوجد استقرار على الشريك الذي يجب أن يلازم فيرجيل فان دايك، مرة يتم إقحام جو جوميز المتواضع فنياً، و مرة أخرى يتم الدفع بجويل ماتيب الأقل جودة تكتيكياً و هكذا دواليك، ومثل هذا التخبط في القرار يولد ارتباكاً وتباعدا فنيا ونفسيا.

ثانياً: لطالما كانت نجاحات كلوب السابقة من صناعة خط وسط منسجم ومتناغم يعرف كيف يسيطر على أجواء المباريات الصعبة التي تُلعَب تحت ضغط نفسي رهيب، ولطالما كان كلوب يتصور أن عناصر هذا الخط لن تفقد مرونتها تحت أي تأثير، لكن هذا الخط تقوس حتى أصبح علامة استفهام خطيرة.

للسن بالطبع أحكامه القاسية مهما بلغت مهارات اللاعبين، فمن غير المعقول أن يرهن كلوب مستقبل الوسط بتركيبة دخلت مرحلة الكهولة كروياً، ببساطة شديدة ما الذي يمكن أن ينتجه لاعبون مثل جيمس ميلنر أو جوردان هندرسون وكلاهما تخطى سن الثالثة والثلاثين؟ كيف يمكن لكلوب الرهان على عناصر شاخت وتشبعت وهو أول من يعلم أن القوة البدنية هي من تصنع الفارق؟

لقد أكدت خسارة ليفربول أمام نابولي الإيطالي، وقبلها الخسارة من المان يونايتد، وسلسلة التعادلات المخيبة أن وسط ليفربول المترهل لا يستطيع الصمود أمام أول إشكال دفاعي يوضع أمامه، فلكي تسيطر على أية مباراة تحتاج إلى الضغط على المنافس واستخلاص الكرة لأجل الاستحواذ، ثم المحافظة على هذا الاستحواذ تحت ضغط المنافس، وللأسف خط وسط ليفربول الحالي لا يستخلص ولا يستحوذ، وهذه ولا شك كارثة تكتيكية تدمي القلوب.

ثالثاً: تصور يورغن كلوب أن هداف الفريق ونقطة قوته الهجومية محمد صلاح يمكن أن يلعب دور (السوبر مان)، فكان أن صمم له شاكلة تكتيكية تبعده عن المنطقة التي يحبذها لأجل فتح المساحات أمام الوافد الجديد رأس الحربة الأوروغوياني داروين نونيز المتواضع مهارياً.

من دون شك جاء هذا التغيير المفاجئ في نسيج خط الهجوم ليصيب الفريق بالعقم، و هنا نفتح قوسين ونتساءل:  ما التدابير التكتيكية الطارئة التي استدعت من كلوب تحويل صلاح من متمم للعمليات في الثلث الهجومي إلى مجرد ممهد ومعد وصانع للعب؟ كيف نهضم تضحية كلوب بلاعب يسجل في الموسم الواحد ما بين 40 - 50 هدفاً، ومن ثم الرهان على مهاجم كلاسيكي لا يمكن أن يكون منتجاً مثل صلاح مهما أجمعنا على حدسه وموهبته التهديفية.

وبصراحة فيها راحة، يلعب يورغن كلوب هذا الموسم بتشكيلة بشرية محدودة القدرات اختلط عليها الرسم التكتيكي، وهو أمر خطير أضر تماماً بالانضباط وخلق فوضى تكتيكية لا حصر لها.  

على يورغن كلوب أن يقرأ تفاصيل المشهد الليفربولي الحزين بعيداً عن العاطفة، ولو أزاح قلبه وفكر بعقله فسيرى بوضوح ما نراه، عندها سيتأكد الفيزيائي الألماني أن فريقه كله سوآت وللناس أعين..!

شارك: