لماذا نقول حين نُمارس الرِّياضة: "إنَّنا نلعب"؟

2023-02-05 12:07
لماذا نقول حين نُمارس الرِّياضة: "إنَّنا نلعب"؟ ولماذا نُسمِّي الرِّياضات ألعاباً؟ (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

اللَّعب حاجة إنسانية ومطلَبٌ بشري، تميل إليه نفوس الصِّغار والكبار على حدٍّ سواء، ففي اللَّعب ترفيه للنَّفس وترويح عنها، وتسلية لها عمّا يشغل البال ويؤرّق الخاطر، وقد اعتاد النّاس منذ الأزل على ابتداع ألعاب تُسليّهم، واختراع مسابقات ومنافسات تحمّسهم وتنثر الفرح في الأجواء فيما بينهم، وغالباً ما يعتمدون على الأدوات الموجودة والمتوفرة حولهم في محيطهم وبيئتهم.

هل تساءلتم حين نمارس رياضةً ما لماذا نقول إننا نلعبها؟ ولماذا نُسمِّي الرِّياضات المختلفة ألعاباً رياضية؟ ولماذا نستعمل كلمة اللعب بدلًا من كلمة الرّياضة في أحيان كثيرة؟ كأن يقول فلان من الناس: "إنني ألعب كرة القدم"، وكقول آخر: "فلانٌ يحب لعب كرة السلّة" بدلًا من قوله: "فلانٌ يحب رياضة كرة السلّة"، وقول آخرين: "إننا نلعب التّنس"... وهل فكرت من قبل لماذا نَصِفُ أشهر المسابقات الرياضية العالمية بأنها ألعاب؟ ولماذا نقول عنها الألعاب الأولمبية؟ تلك الألعاب التي يتبارى الرياضيون من كل بقاع الأرض للاشتراك فيها، ويتنافسون من أجل الفوز وتحقيق معدلات قياسية لم يسبقهم أحدٌ إليها؟ لِنُفَكِّر الآن: هل يعني ما سبق أن لفظ اللّعب يحلّ محلّ لفظ الرّياضة بوصفه مرادف أصيل له؟

إذا عُدنا إلى معجم لسان العرب فإننا نجد لفظًا بكسر العين وتسكينها، وكلاهما في المعنى ضدُّ الجِدِّ، وفي هذه النقطة يلتقي اللّعب بالرياضة، فاللعب يعني الابتعاد بالنفس عن الأفعال الجدية المسؤولة التي تهدف إلى تحقيق نفع ما أو هدف محدد يعود على فاعله وصاحبه بفائدة حقيقية، والرِّياضة تعني النّأي بالمرء عن جدّية الحياة ومشاغلها وإعطاء فسحة للنفس في رياض واسعة تسمح لها بالتحرّك بانسجام مع البدن بدون قيود، وبما يحقق لكليهما متعة ترفع مستوى هرمون السعادة فتنشرح النفس وتتقد جذوتها وتستعد من جديد لمواجهة المهام الحياتية التي لا مفر منها.

للعب حضور واسع في حياة المرء اليومية، وله وظيفة تربوية وأخرى تعليمية تمشيان جنباً إلى جنب مع الوظيفة الترفيهية، لكن على الإنسان أن يعمل على توجيه اللعب وأن يحسن استعماله، لا سيّما مع الأطفال، فاللعب هو الوسيلة الأنفع والأجدى لبثِّ القيمِ في نفوس الأطفال والمراهقين وحثهم عليها، بل يصل الأمر إلى تدريبهم بوساطة اللعب على اجتياز مواقف مختلفة قد تواجههم في مسارات الحياة المتنوعة، وتوجههم وتعلمهم كيف يتصرفون بدقة وأريحية ومرونة في الوقت ذاته. 

وكلّما فكّرنا بالتّركيز على ممارسة رياضة معينة حصدنا نتائج أكثر دقة وفاعلية، فكما يغدو اللعب وسيلة للتعليم فإن الرياضة شكل من أشكال اللعب المنظّم، إذ يبدأ الطفل أو الشاب بالتخطيط بداية لاختيار رياضة يحبها وتستهويها نفسه، قد لا يدرك في البداية مدى ما سيجنيه وما سيحصل عليه من ممارستها، لكن بالزّمن تتكشّف الخفايا، وتجود أنواع الرّياضة بخيراتها على من يلعبها أو يمارسها بانتظام.

اللَّعب في اللُّغة يأتي بمعنى التَّرفيه والتَّسلية عامّة، ويأتي بمعنى العبث والباطل وإضاعة الوقت فيما لا ينفع، كما جاء في قوله تعالى في محكم التنزيل في سورة العنكبوت/ 64: ﴿وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾.

وقد عبّر القرآن ببلاغته العظيمة عن عدم اكتراث الكفار بالدّين والشرع والصّلاة باستخدام لفظ اللعب، إذ جاء في سورة المائدة/ 57-58 قوله تعالى: ﴿لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ﴾.

إذن للَّعِبُ جانبٌ سلبيٌّ في الاستخدام اللُّغوي، أما الرياضة فهي لعبٌ مُمَنهجٌ مُنظَّم، فالرّياضة هي الوجه الإيجابي للَّعِبِ، وهي الشّكل الأمثل له، فهل رأيت من قبل أحداً يمارس الرّياضة ولم ينل منها نفعاً أو فائدة على المستوى البدني والنفسي والاجتماعي؟ وهل رأيت أحداً يمارس الرّياضة باستمرار ولا يجد في نفسه منها متعة وحَلاوة؟

يُعرَف اللَّعبُ عامّة بأنّه نشاطٌ بدنيٌّ، وحين نقول كلمة "الألعاب" فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو الأنشطة الجسدية، فاللّعب يقوم على أفعال وممارسات فردية في أحيان وجماعية في أحيان أخرى، ومن هنا نجد رياضات فردية كالسباحة والجري، ورياضات جماعية ككرة القدم وكرة السلة وكرة اليد وغيرها... لكن الألعاب والرياضات لا تقتصر على الجسد، بل تتخطاه إلى الفِكرِ والذّهن، ومن هنا نسمع بالتعبير الشائع كثيراً "الألعاب الذهنية" التي تعتمد على إعمال العقل وتشغيل الذهن وتحريكه، وفي قابل الأيام لنا عن هذا الموضوع كلامٌ شائق وماتع.

شارك: