عن الوداد البيضاوي أتحدث.. الميدان يا حميدان!

تحديثات مباشرة
Off
2023-12-06 02:30
صورة جماعية لنادي الوداد الرياضي المغربي (Facebook/Wydad Athletic Club - WAC)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

سخط عارم، قلق شديد، وسهام من الانتقادات وجهتها جماهير الوداد البيضاوي لرئيسه ولاعبيه ومدربه، ينذر بزلزال وشيك داخل البيت الودادي، وانفجار الوضع لم يكن اعتباطيًّا، خاصة بعد الهزيمة أمام أسيك ميموزا التي كان الوداد خلالها ممنوعًا من الخطأ.

يصعب جدًّا أن ننسب هذه الانتكاسة للعياء الذي أصاب اللاعبين جراء البرمجة المضغوطة للدوري الأفريقي، والذي فرض على الوداد الرياضي لعب ست مباريات في أقل من 3 أسابيع.

ما عايناه ضد صن داونز الجنوب أفريقي، أو بمراكش ضد غلاكسي، وبالقنيطرة ضد الجيش الملكي، وبأبيدجان ضد أسيك ميموزا، وداد افتقد للروح والهوية، وداد لا يمت بصلة لوداد الألقاب والملاحم والشراسة في اللعب.

حينما تسقط أندية كبيرة داخل المشهد الكروي المغربي، فإن الوضع يعرف تأزمًا، وتبدأ الأسئلة والحيرة تخيم على كل الأجواء، وتبدأ عملية التشريح لمعرفة مكامن الخلل، خاصة إذا تعلق الأمر بالفرق الكبيرة كالوداد، الذي قدم موسمًا صفريًّا محليًّا وقاريًّا في 2023، اهتزت معه أصوات محبيه بالتغيير، ولو أدى الأمر لإسقاط رؤوس ظلت قابعة على كرسي الرئاسة لعدة سنوات.

فهناك كراسيّ تلتصق بظهور بعض المسؤولين، وكأنهم ولدوا من أجل ذلك المنصب، وإذا كانَ اعتزال المسؤولين واستقالتهم مسألة شائعة، فإنّ الاستقالة من المنْصب ثقافة غير متداولة في المجتمع المغربي، حيث يتشبّث المسؤولون بمناصبهم حتّى إنْ فشلوا في مهامّهم، أو ارتكبوا أخطاء مثيرة لغضب الرأي العام، ولا يتخلّون عنها إلا إذا أقيلوا.

ففي المجتمعات الديمقراطية، لا يتردد الجالسون على كراسي التسيير الرياضي عن تقديم استقالاتهم من مناصبهم وترك الجمل بما حمل، إن انتهت فترة ولايتهم أو هم أخطأوا، بل إنهم لا يترددون عن تقديم استقالاتهم إن وقع خطأ موظفيهم، رغم عدم مسؤوليتهم المباشرة عن هذا الخطأ.

طبعًا هذا التقليد السائد في الغرب لا وجود له في أوطاننا، حيث يتشبث المسؤول بكرسيه ويتمسك بمقعده ولا يتخلى عن موقعه حتى ولو أخطأ، وإذا وقع خطأ في دائرة اختصاصه ومحيط عمله، فإنه يتنصل من المسؤولية ويحمل الأخطاء على مرؤوسيه، ويضحي بهم في سبيل البقاء في موقعه، متجاهلًا الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه، والأصوات التي تطالبه في كل أرجاء المدينة برفع شعار "ارحل".

أَورَدَها سَعْدٌ وَسَعدٌ مُشْتَمِل       ما هَكَذا يا سَعْدُ تُوْرَدُ الإِبـل

قيل إنَّ هذا المثل العربي لمالك بن زيد مناة بن تميم، الذي أرسل أخاه سعدًا ليورد الإبل، فلم يُحْسِن واشتمل بكسائه ونام، فقال فيه أخوه هذا القول الذي صار مثلاً يضرب في الـمُقَصِّر.. وكل من يعمل عملاً بطريقة غير صائبة ولا مناسبة، لذلك يجب ألا نندهش عندما يتمسك المسؤول بأظافره ويعض بالنواجذ على الكرسي الذي يجلس عليه، ويقول أنا ومن بعدي الطوفان، وتبًّا لمستقبل المهمة الشريفة التي أنيطت به من طرف مَن وضعوا ثقتهم فيه.

المؤكد أن حصيلة الناصيري تعد إيجابية، إلا أنها بدل من أن تستثمر في  الهيكلة وتقوية النادي، والوضوح في التعامل واحترام التخصصات، وفتح المجال أمام الكفاءات، استغلت فترة النجاح على مستوى النتائج لاختزال تسيير نادٍ كبير كالوداد، في رأي واحد ومصدر واحد، ووجهة واحدة.

نَعَم "الميدان يا حميدان" من الأمثال العربية التي ما أخذت حقها للأسف في حياتنا الشخصية والمهنية، وإلا لكان الحال غير الحال. كما هو معلوم يضرب هذا المثل في من زعم خيرًا وقدرات في نفسه، فيما يشكك بها آخرون. فيتوسط فاعل خير ويقول: هذا الميدان يا حميدان، بيننا وبينه. بمعنى إعطاء الفرصة أو الفرص لحميدان حتى يصول ويجول في خيله. حينئذ يتضح إن كانت خيله خيل كسب وسبق أم مجرد تحمّل. وغالبًا ما تعرف الفرس الأصيلة من فارسها.

لكن الإنصاف من الناحية العملية، في التسيير الرياضي أو الاقتصادي وحتى السياسي، في الإدارة أو التربية، يقتضي الإقرار بأن للخيول أنواعها وفرسانها، ولكل سبق وسباق مضماره. فلا تتضح قدرات الفرس ولا الفارس إلا من اختيار المضمار المناسب. فليس كل ميدان مناسبًا لكل حميدان.

صحيح أن عقلية التسيير القيادي، لها ظروفها التي ينبغي أن تكون موضوعية مهنية قانونية، لكن توظيف القدرات وتفعيل الكامن منها له فرسانه في أي مؤسسة، يعرف بالقدرة على التسيير قبل التفكير بالقدرة على التعبئة والحشد، وهي الروح والعقلية التي تصنع من كل حميدان فارسًا قبل استسهال التجريب بالميادين الذي هو أقرب إلى التخريب، لا التدريب على صناعة الفارس المناسب للميدان المناسب.

نسأل الله أن تنتهي هذه المحنة على خير. الجرح النازف بالوداد لابد من الإسراع في تضميده بشتى الوسائل، قطعًا ليس بالوسائل التي (عودونا عليها) من تصريحات لامتصاص الغضب الجماهيري. هذه النيران المستعرة لن يتم تطويقها وإطفاؤها كما تعودوا، قبل أن تأتي على الأخضر واليابس.

من الصعب أن تجد عملاً كاملاً، ومن المستحيل أن لا تجد أخطاءً تنتج عن هذا العمل، لكن في الوقت نفسه يجب أن يقابل هذه الأخطاء عمل يساعد على تلافيها في المستقبل، فتكرارها يعني فشلًا ذريعًا لا يمكن السكوت عنه؛ لذلك من المهم أن يلاحظ الجمهور حجم هذا التغيير، وأن يتوقف هذا الاستياء، ولو ببتر الأعضاء المشلولة، وبه وجب الإعلام والسلام.

شارك: