بايرن ميونخ وناغلسمان.. هذه المرة انكسرت الجرة!

2023-04-01 13:39
جوليان ناغلسمان المدرب السابق لنادي بايرن ميونخ الألماني (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بشكل مباغت انقلب نادي بايرن ميونخ الألماني على مدربه الشاب جوليان ناغلسمان ذي الخمسة والثلاثين ربيعًا، مُغيّرًا البوصلة باتجاه المدرب الثعلب توماس توخيل صاحب التسعة والأربعين ربيعًا.

لماذا أُقيل ناغلسمان بهذه الصورة الدراماتيكية المؤسفة، مع أن الفريق البافاري يقاتل على كل الجبهات المحلية والقارية، ولديه كامل الحظوظ لتكرار إنجاز الفريق عام 2013، حينما فاز بخمس بطولات بينها دوري أبطال أوروبا؟

ما جدوى إقالة ناغلسمان في هذا التوقيت الذي يتطلب هدوءً متوازنًا في القرارات ورباطة جأش في التعامل مع التباينات العادية؟! لا سيما أن مباراة ذهاب ربع نهائي دوري أبطال أوروبا أمام الخصم الإنجليزي الشرس مانشستر سيتي على الأبواب!

لعب بايرن ميونخ مع ناغلسمان ثماني مباريات في دوري أبطال أوروبا فاز بها جميعًا وبإقناع تامٍ وبشباك شبه عذراء نظيفة في حدث نادر، فكيف نفهم هذه الميزة الحساسة التي تجاهلتها إدارة البايرن عند تقييم عطاء المدرب؟!

هل خسارة البايرن في الدوري المحلي على يد فريق باير ليفركوزن هي التي قطعت شعرة معاوية بين الإدارة البافارية وناغلسمان؟

هل التفريط في صدارة البوندسليغا لمصلحة الغريم بوروسيا دورتموند بفارق نقطة يتيمة لا غير هي التي كسرت جرة ناغلسمان هذه المرة؟

بالطبع لا يمكن أن نفك كل الاستفهامات السابقة دون التوغل في نيّات إدارة بايرن ميونخ، فمنذ أن ربطت بعض التقارير الصحفية المدرب الثعلب توماس توخيل بنادي ريال مدريد، والإدارة تبحث عن زلة للمدرب الشاب ناغلسمان، وعندما وقع البلاء وخسر البايرن في الدوري أمام باير ليفركوزن والتدحرج في الترتيب إلى الصف الثاني، لم تمهل الإدارة ناغلسمان لتقديم المبررات في وقتها، لأن الإقالة كانت جاهزة في غرفة ملابس اللاعبين.

لطالما كانت إدارة البايرن مغرمة حد الهوس بالمدرب توماس توخيل، ولطالما كانت إحدى الأمنيات البافارية أن يأتي توخيل يومًا ليشرف على الفريق البافاري القوي، وعندما حدثت القطيعة والطلاق بين توخيل ونادي تشيلسي الإنجليزي، بدأت حكاية البحث عن سيناريو محبوك للإطاحة بالمدرب الشاب ناغلسمان من رأس الإدارة الفنية.

وحتى لا تظهر الإدارة في الصورة وتدخل في مماحكات مع ناغلسمان خصوصًا والفريق يبلي البلاء الحسن على مختلف الجبهات، فقد أوكلت مهمة تطفيش ناغلسمان إلى غرفة ملابس اللاعبين.

لم يكن الحارس المخضرم وقائد الفريق مانويل نوير يحتاج الكثير من الوقت ليبدأ مشروع أول تصادم علني مع ناغلسمان بذريعة أن الأخير استغنى عن مدرب الحراس توني تابالوفيتش، وهو قرار يرى فيه المدرب قطع دابر التسريبات حفاظًا على أسرار غرفة الملابس.

ومن حسن حظ ناغلسمان أن نوير المرشح لتصعيد التوتر مع المدرب تعرض لإصابة قوية أبعدته عمليًا عن غرفة الملابس، وهو ما حدا بالإدارة إلى إيكال مهمة صنع التوتر للمهاجم سيرج غنابري الذي سرعان ما استمال مجموعة من اللاعبين على غرار ليروي ساني وجمال موسيالا وجواو كانسيلو وساديو ماني (الوافدين الجديدين).

وما لم يكن في حسبان (لوبي) أوليفر كان المدير التنفيذي للنادي وقع من دون سابق إنذار، لقد أسفرت الفوضى الخلّاقة عن انقسام الفريق البافاري داخل غرفة الملابس، تمخض جبل هذه الفوضى فولد فريقًا مضادًا يساند المدرب ناغلسمان بقوة، يتصدرهم المتألق جوشوا كيميتش وخلفه ليون غورتسيكا وماتياس دي ليخت ودايوت أوباميكانو وبنجامين بافارد.

أحكم ناغلسمان قبضته على الفريق ككل، مستغلًا شخصية القائد الجديد توماس مولر الذي وقف على الحياد بين الفريقين المتضادين، مُفضّلًا مصلحة الفريق دون أن ينخرط في حرب التذمر المصطنعة.

لم يستطع اللاعبون المتذمرون خلخلة تماسك الفريق خصوصًا وقد جاء إقصاء البايرن لباريس سان جيرمان في ثمن نهائي دوري الأبطال بالفوز المزدوج ذهابًا وإيابًا ليضاعف من ثقة الجمهور البافاري بمدربه الشاب ويعزز من نفوذ المعسكر المؤيد لبقاء المدرب دخل غرفة الملابس.

لقد كان جليًا أن إدارة البايرن تقبلت تأهل الفريق إلى ربع نهائي دوري أبطال أوروبا على مضض وبنوع من الحذر الممزوج بالتربص، بدليل أن الإدارة فتحت خطًا تفاوضيًّا مع المدرب توماس توخيل ضاربة بإنجاز ناغلسمان عرض الحائط.

بالنسبة للإدارة البافارية، كانت عملية الإطاحة بناغلسمان مسألة وقت، ولم تكن لتحتاج سوى إلى تعثر صغير في البوندسليغا لتكتمل أركان إقالة المدرب.

بدا الذهول واضحًا على مُحيّا المدرب الشاب ناغلسمان عندما علم في غرفة الملابس بنبأ إقالته فور الخسارة من باير ليفركوزن بهدفين لهدف، ففي الواقع لم يَدُرْ بخلد المدرب المقال أن يُكافَأ على طريقة "مجير أم عامر".

تحاول إدارة بايرن ميونخ طمأنة جماهير النادي بمبررات مقلية على زيت الوعود، ولعل أهم مبرر ما انفكت الإدارة تلوّح بورقته أن توماس توخيل خبير بدوري الأبطال، وأنه المدرب الوحيد القادر على تقليص نفوذ مانشستر سيتي وتعرية مدربه الإسباني الفيلسوف غوارديولا، فهل فعلًا يمتلك توخيل الحمض النووي لدوري أبطال أوروبا؟

وهل بمقدور توخيل خداع غوارديولا بأسلوب لعب جديد ومبتكر؛ بالنظر إلى أن أهم مبرر لإقالة ناغلسمان ساقته الإدارة كان يتلخص في أن الأخير يلعب بنهج واضح ومكشوف خالٍ من نكهة الأداء الخلاب؟

لا يختلف اثنان أو حتى ثلاثة على أن توماس توخيل مدرب كبير يتميز بثراء الأساليب التكتيكية، كما أنه يعد قارئًا جيدًا لمنافسيه، لكن هذا لا يمنع أن الرهان عليه أمام مانشستر سيتي قد يكون رهانًا خاسرًا، كيف؟

مهما بلغت عبقرية توخيل في قراءة خريطة مستجدات ألاعيب غوارديولا؛ فإن الخطر المحدق بتوخيل يتعلق بضيق الوقت وعدم وجود مسافة تتيح له تجربة أسلوب لعب جديد بهدف ترويض (تيكي تاكا) مانشستر سيتي، والذي تحول إلى فريق مخيف معجون بالنار وبالبارود مع الوحش الهداف هالاند.

يرتكز بايرن ميونخ على مجموعة لاعبين مهرة من الطراز العالي، وهو من حيث القيمة الفنية لا يقل عن مانشستر سيتي، لكن تظل الإشكالية السيكولوجية معقدة للغاية، وهذا ما يؤرق توخيل الذي يعلم تمامًا أن مباراتي مانشستر سيتي ذهابًا وإيابًا ستُلعبان على الجزئيات النفسية بالدرجة الأولى.

لا شك أن إدارة البايرن غامرت بقرار إقالة ناغلسمان، ووضعت نفسها بين مطرقة جمهور لا يرحم عند الخروج الأوروبي، وسندان صحافة ألمانية قاسية لا تنسى ولا تسامح، وعليه فإن إقصاء السيتي وبلوغ نصف نهائي دوري الأبطال هو الخيار الوحيد المتاح أمام الإدارة لتتجنب لسعات النحل ولدغات الثعابين.

نعم، لم يعد بوسع إدارة البايرن التلويح بقميص عثمان بعد أن خالفت تقاليد النادي العريق الذي يشتهر بالصبر والتروي وببعد النظر، على اعتبار أن قراراته تأتي بالحدس والدراسة المتأنية، لا بالانفعالات والتسرع والغيرة العمياء من نيّات ريال مدريد.

وما لم يكن المتابع لمسيرة نادي بايرن ميونيخ خاملًا ذهنيًّا فاقدا القدرة على التقاط الأحداث والظواهر وتحليلها بعمق، أستطيع القول إن قرار إقالة ناغلسمان المتسرع لا يدل على أفق الإدارة الضيق فحسب، لكنه يدل أيضًا على أن الرؤية البافارية الرزينة توارت خجلًا وكسوفًا أمام أبواق دعاية ترى في توخيل "الدابة السوداء" لمانشستر سيتي ومدربه غوارديولا.

شارك: