المنتخب المغربي رافعة الاقتصاد السياحي والثقافي

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-12 14:55
المنتخب المغربي والاستعداد للقاءين المرتقبين ضد كل من الرأس الأخضر وجنوب أفريقيا (Annoukhba)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

كرة القدم كانت بمعزل عن علم الاقتصاد لفترة طويلة إلى أن تمكنت من إثبات علاقتها الوثيقة بالقيم الاستهلاكية؛ فقد أصبحت قائمة على فلسفة النظام الرأسمالي الذي يوفر فرصًا للمنافسة المبنية على العرض والطلب؛ خاصة بعدما أصبح اقتصاد السوق السمة الغالبة في العالم، وبناءً على هذه المبادئ باتت النظريات الاقتصادية الحديثة تنظر إلى الرياضة في ظل النظام الرأسمالي والاقتصاد الحر كجزء من الدورة الاقتصادية؛ سواء باعتبارها منتجًا أو شريكًا أو كقيمة مضافة، ولقد ظهر مؤخرًا فرع جديد من فروع علم الاقتصاد يُدعى بـ"اقتصاديات الرياضة".

تحوّلت كرة القدم إلى صناعة وتجارة وسياحة، وثقافة واقتحمت عالم الاقتصاد من أوسع الأبواب، بعد أن تبدلت الأدوار؛ فأصبحت الأندية "شركات"، والرياضيون "رجال أعمال"، والملاعب "مسارح ومتاحف"، وتطورت الفعاليات والبطولات إلى "مهرجانات" فيها من الترفيه والمتعة ما يجذب المشجع الذي يعتبر البطل الحقيقي في المشهد الجديد، بدور "السائح الرياضي".

وباتت لغة المال المحرك الأساسي لكل القطاعات، حتى تشكّل مفهوم "السياحة الرياضية" التي تعد ثروة حقيقية في دول أوروبية استثمرت في الرياضة، ومكنت اقتصادها بطرق مبتكرة من جذب الزوار إلى ملاعبها وبطولاتها والفعاليات الرياضية الترفيهية، في وقت لم تقدّر فيه دول عربية جاذبية معالمها السياحية وإمكانية ربطها بالرياضة وعناصر التشويق بهدف رفع معدلات السياحة في البلاد؛ إذ لا تتخطى نسبة إسهام الرياضة في إجمالي إيرادات قطاع السياحة 15% في أغلب الدول العربية.

في المقابل، فرضت مدن وملاعب أوروبية نفسها وجهات سياحية رياضية تدر على خزينة بلادها أموالاً طائلة، فعدد السيّاح الذين زاروا إسبانيا لأغراض رياضية، في العام الماضي، بلغ 15 مليون سائح أدرّوا على الاقتصاد في البلاد 17 مليار دولار، منهم 1.3 مليون زائر لملعب "سانتياغو برنابيو" الخاص بنادي ريال مدريد الذي يعتبر رابع أكثر المعالم زيارة في العاصمة الإسبانية.

كرة القدم وإن كانت لعبة إلا أنها تجاوزت حدود التسمية ودلالة الصفة إلى ما هو أبعد من اللعب بكرة حتى وصل بها الحال إلى كونها أضحت صناعةً ضخمة، وخُصِّصت لها أسواقٌ كبيرة، تؤثر بشكل مباشر وجلي في اقتصادات الدول، بالتالي، من الطبيعي أن يتزامن ذلك مع اهتمام الدول المعنية بمسألة حوكمة الرياضة بجميع أوجهها، الفنية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية والسياحية والثقافية.

ويعد تأهل المغرب إلى دور نصف النهائي لكأس العالم بقطر سابقة بالنسبة للمنتخبات الأفريقية والعربية؛ ما منح إشعاعًا لألوان المملكة، وشكل أجمل حملة تواصلية لفائدة البلاد كوجهة سياحية غنية بمؤهلات عديدة، ولا سيما الرياضية منها، وتحول المغرب إلى وجهة سياحية مهمة، بعد التألق في قطر، وهو الأمر الذي فطن إليه فوزي لقجع رئيس الاتحاد المغربي لكرة القدم، للانخراط في مشروع مع مكتب السياحة المغربي، من أجل مواكبة إشعاع الوجهة المغربية من خلال خطة استراتيجية، ترتكز بشكل أساسي على تفعيل حملة "أرض الأنوار" وهي حركات تسخينية للتحضير بشكل جيد وجاد لحملة تنظيم كأس العالم المشترك مع إسبانيا والبرتغال.

ويترتَّب على ذلك ضرورة جاهزية المجتمع المعني للتعامل مع هذه الصناعة الجديدة علينا، بكافة أوجهها، بحيث يكون العاملون فيها متخصصين ومؤهلين أكاديميًّا وخبرةً بمجالاتهم التي سيعملون فيها، وهذا يتطلَّب وجود جهات أكاديمية وتدريبية على مستوى عالٍ جدًّا، تساعد في إيجاد فارق واضح في جودة العمل المقدَّم منها لهذه الصناعة، واضعةً في الاعتبار التنافس الكبير والواضح بين كثير من الدول فيما يخصُّ التقدُّم في المجال الرياضي، سواءً بتحقيق النتائج الرياضية، أو مدى وقيمة الأثر الاقتصادي المتعلِّق بصناعة الرياضة الذي تحصل عليه، ناهيك عن دور الرياضة بوصفها قوةً ناعمةً في العلاقات الدولية.

ما أثارني خلال الأسبوع الماضي هي زيارة الأسود لمعرض الكتاب وهي مبادرة فريدة من نوعها، لكنها فلسفة جديدة كانت تغيب عنا في زمن أصبح الكتاب مهمشًا، في زمن طغت عليه الرداءة والتفاهة، من خلال بعض محطات الفضاء الأزرق، زيارة المنتخب المغربي لمعرض الكتاب يدخل في إطار المبادرات الاجتماعية، بهدف التواصل مع فئات مختلفة من المجتمع المغربي بعد كأس العالم في قطر.

وشاركت العناصر الوطنية في ندوة تمحورت حول تقديم دراسة علمية مشتركة بين الاتحاد المغربي ومجلس الجالية المغربية بالخارج، تحت عنوان “موسوعة مغاربة العالم لاعبي كرة القدم: نحو آلية مستدامة لاكتشاف المواهب المغربية في كرة القدم”.

من هنا نقف وقفة تأمل في أن كرة القدم اقتحمت كل الميادين، إنها ثقافة وتراث تنتج أغانيها وشعاراتها، وكتبها ورموزها من اللاعبين، وفي عالم القرية الواحدة، تجاوزت كرة القدم حدود الجماهير المحلية والانحيازات الوطنية والقومية، لتصبح تمثيلًا بازغًا لثقافة العولمة، يمكنك مثلًا ملاحظة أن الأجيال الشابة من جماهير كرة القدم في بالمغرب تولي اهتمامًا بالأندية العالمية، ولا تندهش أن تجد روابط مشجعي برشلونة وريال مدريد في المغرب، على القدر نفسه من الحماس والتنافس مثل الذي نجده بين الرجاء والوداد والجيش.

لا ينفصل واقع الكاتب المغربي عما يدور حوله من أحداث وفعاليات مهمة، وكرة القدم أحد الأنشطة الرياضية التي فرضها الواقع، فالمثقف المغربي غالبًا ليس من ذلك النوع المنفصل عما يدور حوله وكثير من المثقفين والكتاب لديهم ميول كروية، بل إن بعضهم ينسى موضوعيته ويتحيز لفريق كرة معين ويتابع بشغف ما يجري ويفرح ويحزن.

كرة القدم تحديدًا هي نوع استثنائي من الرياضة، حيث استحقت عن جدارة ذلك اللقب القديم الذي منح لها (الساحرة المستديرة)، فهي على الرغم من أنها تقسم المشجعين حسب فرقهم فهي أيضًا تجمع الكل وقتما يلعب المنتخب، وكأنها طقس مقدس يجتمع على احترامه الجميع بلا استثناء، فعندما يكون المنتخب أمام فريق آخر فتجد كل الفرق المتناحرة قد أصبحت على قلب رجل واحد.

قد يتساءل بعضهم ما الذي يجمع بين الثقافة وكرة القدم؟ قد يكون هذا السؤال مربكًا للبعض؛ إذ لا يبدو حقًا أن هناك قواسم مشتركة بين كرة القدم والثقافة، فهما مجالان مختلفان لا يجمعهما أي تاريخ مشترك، لكننا نستطيع بسهولة تلمس الروابط بين الثقافة وكرة القدم إذا ما التفتنا إلى طبيعته كنشاط إبداعي يعكس ثقافة المجتمعات والشعوب.

ومن هنا يمكن الالتفات إلى الروابط الوثيقة التي تجمع بين الثقافة وكرة القدم باعتبارها أحد أبرز مظاهر الإحساس الشعبي في عصرنا. إن هذه اللعبة الواسعة الانتشار، تمثل جانبًا من وعينا وثقافتنا بلا شك، من مشهد الأطفال وهم يلعبون الكرة في الشارع وتصدرها عناوين الصحف والأخبار، إلى الولاء المجنون للفرق والنوادي الرياضية.

شارك: