الديك الفصيح لا يصيح!

2022-10-06 19:21
منتخب فرنسا بطل كأس العالم 2018 في روسيا (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

يواجه ديدييه ديشامب مدرب المنتخب الفرنسي مشكلة أوقع نفسه فيها دون سابق إنذار؛ إذ إن إحدى أولوياته على بُعد أقل من شهرين على انطلاقة مونديال قطر تتركز في تشكيل منتخب فرنسي متوازن، يستوعب كل المواهب الفنية التي يزخر بها "منتخب الديوك".

لم يستطع ديشامب حتى الآن تشكيل توليفة فرنسية واضحة تنهي الفوضى التي تضرب خطوط المنتخب الفرنسي، منذ خروجه المهين من دور ثمن نهائي بطولة الأمم الأوروبية الأخيرة. 

لمحة خاطفة على أرقام ديشامب مع منتخب فرنسا في دوري الأمم الأوروبية كافية لتجعل كل عاشق للديك الفرنسي يرتجف رعبا ولسان حاله يقول: يا له من وضع سيء ذلك الذي يقبع فيه أبطال العالم!

لا يمكن المرور على نتائج المنتخب الفرنسي في دوري الأمم مرور الكرام دون الإشارة إلى أنه تعذب كثيرا في مجموعته، ولولا هدية غير منتظرة من منتخب كرواتيا لكان الديك الفرنسي الفصيح قد هبط إلى المستوى الثاني غير مأسوف عليه، وكف نهائيا عن الصياح. 

يصعب على معدتي هضم التراجع المخيف والمحير في نتائج المنتخب الفرنسي، فالأرقام التي لا تكذب ولا تتجمل تشير بالصوت والصورة إلى أنه كان الحلقة الأضعف في مجموعته، بدليل أنه كان لقمة سائغة لمنتخبي كرواتيا والدنمارك، في حين جاء فوزه الوحيد على منتخب النمسا المتواضع بضربة حظ لا أكثر ولا أقل.

جمع المنتخب الفرنسي في مجموعته خمس نقاط من ست مباريات، رصيد هزيل هو الأضعف في مسيرة الزرق منذ أكثر من أربعين عاما، لكنه للأمانة يتماشى مع الوضع الفوضوي الذي يعصف بالمنتخب في عهد السيد ديشامب.

وما يجعل هرمون الأدرينالين يصل إلى أعلى مستوياته عند الفرنسيين، يتلخص في أن منتخبهم سيواجه مجددا منتخب الدنمارك في كأس العالم بقطر في دور المجموعات، وهو المنتخب الذي جرَّعَ الديك الفرنسي مرارة العلقم بفوزه عليه ذهابا وإيابا في دوري الأمم. 

ليس منتخب الدنمارك من يُقلق مضاجع الفرنسيين في مونديال قطر فحسب، ففي ظل منتخب فرنسي بلا هوية واضحة ودون أسلوب واضح في اللعب يمكن لمنتخبَي أستراليا وتونس أن يكونا بُعبعين حال استغلا ترهل الخط الخلفي المهلهل للفرنسيين والبرود الذي يصاحب اللاعبين عند رد الفعل. 

الأحلام لم تمت، لكنها وهنت كثيرا. ولم تعد ثقة الجمهور الفرنسي في منتخبه كبيرة بالنظر إلى المشاكل الفنية والتكتيكية والنفسية التي تعصف بالديوك الزرق، فيما يكتفي الاتحاد الفرنسي بالمشاهدة شأنه شأن كل مشجع فرنسي مغلوب على أمره.

منذ التتويج المونديالي الأخير لم يطرأ جديد على فكر ديشامب؛ إذ ظل يعتنق المبدأ نفسه والنهج نفسه والفلسفة ذاتها، والنتيجة أن هذا التشابه الذي يصل إلى حد التشابك أدخل الديك الفرنسي رحلة مخاض عسيرة خلقت الكثير من المخاوف المشروعة في الشارع الفرنسي.

يعتنق ديشامب صيغة تكتيكية واحدة يحفظها منافسوه عن ظهر قلب، وطالما أنّ المنتخب الفرنسي يلعب بأوراق مكشوفة ليس فيها تحايل أو خبث تكتيكي أو حتى استثارة نفسية. فطبيعي أن يواجه الكثير من المشاكل أمام كل المنتخبات صغيرها وكبيرها، ما دامت العيوب تتناسل والأخطاء تُستنسخ نفسها دون حلول ناجعة.

المتابع للمنتخب الفرنسي في الآونة الأخيرة لن يحتاج إلى ذكاء (شارلوك هولمز) ليكتشف أن نهج (ديشامب) الثابت والممل والعقيم على مستوى الاستثارة النفسية لم يعد مجديا، والسبب أنّ المنتخب الفرنسي بغطائه التكتيكي الأوهن من بيت العنكبوت خسر العامل الأهم الذي كان مصدرا لصلابة وترابط خطوط المنتخب في مونديال روسيا. 

لم يعد التكتيك الثابت قادرا على تحرير مواهب اللاعبين من السترة الدفاعية التي حشر فيها (ديشامب) منتخبه، وأدت إلى حدوث انفصام في شخصية المنتخب رغم نوعية اللاعبين الذين يتمناهم أي مدرب في العالم.

ببساطة افتقد المنتخب الفرنسي مؤخرا لعامل المرونة، وهو العامل الأهم الذي أسهم في تتويج الديوك ببطولة كأس العالم الأخيرة، الأمر الذي يفرض على الفنيين والنقاد في فرنسا ارتداء القفازات تحسبا للمجهول بعد الهزائم المتلاحقة التي مني بها المنتخب الفرنسي في دوري الأمم.

والسؤال هنا: لماذا نفد منسوب المرونة التكتيكية إلى درجة مخيفة جعلت المنتخب الفرنسي قبيل أيام على انطلاقة مونديال قطر يبدو متنافرا وعاريا من أية ضوابط تكتيكية تجبر المرونة على العودة إلى قواعدها سالمة؟

سؤال صعب لا تنفع معه وسائل مساعدة؛ لأن الوحيد القادر على فك هذا اللوغاريتم الصعب هو (ديدييه ديشامب) نفسه.

شارك: