ألمانيا وإنجلترا.. كيف بدأت العداوة وإلى أين انتهت؟

2022-10-19 17:36
أرشيفية- من نهائي كأس العالم 1966 بين المنتخبين الإنجليزي والألماني على ملعب ويمبلي (Getty)
محمد أبو الوفا
الفريق التحريري
Source
+ الخط -

يُمكن اعتبار إنجلترا مُنافساً، أو بالأحرى عدواً، لألمانيا في كرة القدم على الساحة العالمية، رُغم أن إرث الألمان لا يُقارن بما قدّمه الإنجليز على مستوى كأسي العالم وأوروبا، ولا مجال للجدال في هذا، لكن الفيصل هنا ليس عدد الكؤوس المرفوعة أو الألقاب المحققة؛ إذ يمتد الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك بتناوله من منظور شامل، فهناك العداء السياسي والحربي بين الإمبراطورية الألمانية والمملكة البريطانية في الحربين العالميتين الأولى والثانية، ما يجعل ألمانيا، أكثر المنتخبات الأوروبية نجاحاً في التاريخ (بالتساوي مع إيطاليا) بأربعة مونديالات، تقف على قدم المساواة مع منتخب إنجلترا الذي لا يملك في خزينته سوى لقب وحيد حققه عام 1966.

ولا تكاد السياسة تنفك عن الرياضة حتّى يلتئما من جديد في المحافل الدولية، سواء أكان ذلك بتوجه فردي من اللاعبين أم بقرار رسمي من الجهات المسؤولة، ففي كأس أمم أوروبا 2020 مثلاً، نجد أن احتفال "القوة البيضاء" العنصري الذي أظهره النمساوي ماركو أرناوتوفيتش ضد المقدوني الشمالي إزغان أليوسكي، ما هو إلا تجسيد للعداء التاريخي بين صربيا وألبانيا اللتين ينحدر منهما أصول اللاعبين، وقرار الحكومة الهولندية بعدم إرسال وفد رسمي إلى باكو عاصمة أذربيجان التي تستضيف ربع نهائي اليورو، نابع من اتخاذ هولندا موقفا مساندا لأرمينيا في حربها مع أذربيجان. حبال متشابكة يربطها شيء واحد هو السياسة.

حربان ومونديال

لنعد إلى أقوى وأمتع مباريات ثمن نهائي كأس أمم أوروبا 2020 بين إنجلترا وألمانيا على ملعب ويمبلي، هذا الملعب الذي شهد الإنجاز الوحيد لإنجلترا في كأس العالم في نسخة 1966، عندما سجّل جيف هورست ثلاثية منحت الإنجليز اللقب في نهاية المباراة بنتيجة 4-2 أمام أنظار 100 ألف مشجّع، وبحضور الملكة إليزابيث شخصيًا. هذه المباراة بالتحديد كانت بداية العداء الكروي بين الألمان والإنجليز، بعد سنوات من العداء العسكري والحربي الذي بلغ ذروته بقصف سلاح الجو البريطاني الذي دمر نصف مساحة ألمانيا.

وقبل المباراة النهائية بـ28 عاماً، وبالتحديد في مباراة ودّية أقيمت عام 1938 بين المنتخبين، أدّى لاعبو المنتخب الألماني التحيّة النازية قبل بدء المباراة من قلب إنجلترا، ما أدى إلى عواقب وخيمة طالت حتى الجماهير في المدرجات.

وبلغ الصراع الكروي بين الفريقين ذروته في نهائي 1966 الذي شهد تسجيل هورست هدفا مشكوكا في صحته، ليتجّه حكم الساحة السويسري غودفريد دينست إلى حامل الراية السوفييتي توفيك باكراموف الذي أشار بصحّة الهدف، ومن هنا انطلقت الشرارة من الصحافة الألمانية التي تحدثت عن أن "سوفييتي يتآمر مع إنجليزي ضد الألمان" لتضفي على الموضوع صبغة سياسية، وفي المقابل، ألّفت الجماهير الإنجليزية أنشودة عدائية عنوانها "حربان ومونديال"، للإشارة إلى انتصار إنجلترا على ألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية، وفي نهائي كأس العالم.

ومما يبين الأهمية الكبيرة التي حظيت بها تلك المباراة النهائية عام 1966، حديث ابنه أحد دبلوماسييّ السفارة الألمانية في لندن ليومية "غارديان عن أن: "جميع موظفي السفارة شجّعوا المنتخب الإنجليزي في المباراة النهائية بويمبلي آنذاك، إلى درجة أن السفير الألماني غرايم فيسد قال لمساعديه حرفيا: "إذا فزنا على إنجلترا فسيذهب عملنا الذي أنجزناه طوال 20 عاما أدراج الرياح"، ولم يتنفس الصعداء إلا بعد أن تأكد فوز الإنجليز بالكأس، ليلتقط أنفاسه ويذهب لاحتساء المشروب في إحدى الحانات، فقد كان من شأن خسارة إنجلترا أن تعيد أزمة سياسية وتفتح الجرح مُجددا.

الرأس بالرأس

تقول آنييت ديتيرت مديرة مكتب لندن في مؤسسة "ARD: "إن ألمانيا ترى نفسها -كما إنجلترا- مهدا لكرة القدم بوصفها المنتخب الأكثر نجاحاً في التاريخ، وترى أن كأس العالم 1966 لقب مسروق بامتياز برعاية حكم سوفييتي لم يتردد في ظلم الألمان، أما الصحافة الألمانية، فتجد في منافسة إنجلترا على أرضية الميدان متنفسا دائما للانتقام من ذيول الحربين العالميتين ومؤامرة المونديال.. واستجمعت ألمانيا قواها لاحقاً وانتقمت من إنجلترا في غضون 4 أعوام فقط".

قبل 1966، لم تكن ألمانيا قد هزمت إنجلترا في أي لقاء بينهما، لكن ما بعد هذا التاريخ كان بداية التاريخ بالنسبة للداي مانشافت، الذي أقصى الإنجليز من ربع نهائي كأس العالم 1970 في المكسيك بهدف جيرد مولر بالأوقات الإضافية، ثم عاد بعد عامين وطردهم من ربع نهائي كأس أمم أوروبا 1972 بنتيجة 3-1 بأقدام مولر أيضا، لكن هذه المرة كان الفوز من قلب ويمبلي، ليتغنى الألمان وقتها بقولهم: "أي فوز كان الأقسى على وقع الإنجليز؟ انتصاران في عامين، هنا تساوت الرؤوس".


التقدم بخطوة

ويؤمن ساندر كواتلا، مدير مركز الأبحاث البريطاني، بأن الألمان استقروا نفسيا في حربهم مع إنجلترا بعد مباراتي 1990 و1996، بتجاوزهم مرحلة تساوي الرؤوس إلى مرحلة رفع رأسهم أمام الإنجليز والتقدم بخطوة عليهم.

في نصف نهائي كأس العالم 1990 بإيطاليا، تقدّم أندرياس بريمه للألمان على ملعب "ديلي ألبي" الخاص بيوفنتوس وقتها، وعادل غاري لينكير النتيجة للإنجليز في الدقائق الأخيرة، ليحتكم المنتخبان إلى ركلات الترجيح التي أهلّت الألمان بنتيجة 4-3، وبهذه النتيجة، غدت ألمانيا أول منتخب في تاريخ كرة القدم يتأهل 3 مرات تواليا إلى نصف نهائي المونديال، ما أثار إعجاب لينكير الذي قال جملته الشهيرة: "كرة القدم رياضة يلعب فيها 11 لاعبا ضد 11 لاعبا، وفي النهاية يفوز الألمان". حينها كانت ألمانيا قد حققت لقبها الثالث، بينما فشلت مساعي إنجلترا لتحقيق اللقب الثاني.

أما بطولة كأس أمم أوروبا 1996 التي احتضنتها إنجلترا بعد إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية، فقد حظيت ببروباغندا إعلامية غير مسبوقة وأصوات متعالية في الصحافة الإنجليزية بأن "كرة القدم تعود إلى موطنها"، وتوقع الجميع أن تظفر إنجلترا بالكأس وسط أنصارها وملاعبها العتيقة وتُقدّم نسخة أسطورية، لكن الألمان أفسدوا الحفلة وأقصوا الإنجليز من نصف النهائي بركلات الترجيح 6-5 بعد أن أهدر مدرب إنجلترا الحالي غاريث ساوثغيت الركلة الأخيرة، ما أثلج قلوب الألمان أن الانتصار كان على ملعب ويمبلي، وما أحرق قلوب الإنجليز ردة فعل أندرياس مولر الذي استفزهم باحتفال وصفته صحافتهم بـ"النازي الأكبر".


سقطة ميونيخ

انهزم الألمان بنتيجة ظل الإنجليز يحتفلون بها لسنوات، لدرجة أن مذيع "BBC" جو موتسون قال بالحرف: "إنه أعظم انتصار لنا منذ الحرب العالمية"؛ إذ سجّل مايكل أوين ثلاثية في فوز إنجلترا 5-1 في مدينة ميونيخ في سبتمبر عام 2001، وتحدثت الصحافة عن أن الأسود الثلاثة صارت خمسة والتهمت ميونيخ بأكملها، لكن الرد جاء بعد 9 أعوام وبالتحديد في ثمن نهائي مونديال 2010 عندما انهزم الإنجليز بأربعة أهداف لهدف في المباراة الشهيرة التي تخطت فيها تصويبة لامبارد خط مرمى مانويل نوير ولم يحتسبها الحكم، يومها عنوّنت يومية "بيلد" الألمانية بـ(الثأر).


احتفال فاسد
 

في 2013 واحتفالًا بمرور 150 عاما على تأسيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، لم يجد الإنجليز أفضل من الألمان ليشاركونهم هذه المناسبة الأسطورية، حينها أفسد أبناء المدرب يواكيم لوف حفلة الشاي الإنجليزية بهدف يتيم من توقيع المدافع بيير ميرتساكر، الآن وبعد 55 عاما من نهائي 1966، ستدخل إنجلترا ثمن نهائي يورو 2020 بصفتها الطرف الأضعف، هكذا تبدّل الحال خلال نصف قرن.

شارك: