معاناة كبيرة لعمال مواقع تشييد منشآت أولمبياد باريس 2024

2023-01-20 21:57
الورشة الكبرى لأولمبياد باريس 2024 (twitter/Paris Olympics construction sites)
Source
المصدر
AFP
+ الخط -

صار توظيف مهاجرين بدون تصاريح عمل في المواقع التي قيد الإنشاء لخدمة دورة الألعاب الأولمبية في باريس التي ستكون الحدث الأبرز في فرنسا عام 2024، قضية تثير توترًا سياسيًّا واجتماعيًّا.

اعتاد المواطن المالي غايي سارامبونو العمل في أحد مواقع البناء لأولمبياد باريس لأيام طويلة مقابل أجر زهيد. فهو يعيش في فرنسا من دون تصريح عمل، إلا أنه وضع يحدث في كل أنحاء العالم.

على مدى ثلاثة أشهر، عمل سارامبونو البالغ 41 عامًا، بين 8 و11 ساعة مقابل 80 يورو في اليوم. وقال وهو يغلي بعض الماء على موقد على أرضية الغرفة الصغيرة التي يتشاركها مع أربعة من مواطنيه: "لقد قبلت بذلك بسبب وضعي. إذا لم تكن لديك أوراق؛ فأنت مضطر لقبول العمل الشاق وكل الوظائف الرديئة. ليس أمامك خيار آخر".

عمال مواقع تشييد أولمبياد باريس يشتكون من غياب الحقوق

وأضاف سارامبونو الذي طُرد من موقع بناء أولمبي العام الماضي بعد عملية مداهمة قام بها موظفون من مفتشية العمل: "الكل يعرف ما يجري؛ لكن لا أحد يتحدث عنه".

من جهته، قال النقابي برنار تيبو الذي يشارك في رئاسة لجنة مراقبة الميثاق الاجتماعي لباريس 2024: "إن هناك قدرًا كبيرًا من النفاق من جانب السلطات السياسية".

وبطبيعة الحال، هناك عدد غير معروف من المهاجرين الذين يواجهون نفس أوضاع سارامبونو. وفي دليل على حجم القلق الذي تُسبِّبه هذه المسألة، أنشأت مفتشية العمل وحدة متخصصة مُكلَّفة بتفتيش موقع واحد تقريبًا يوميًا منذ عامين.

ومنذ الربيع الماضي، تتزايد التحركات، ففي يونيو/ حزيران، تم رصد وجود تسعة عمال غير نظاميين في موقع تديره شركة "سوليديو" العامة المسؤولة عن بناء المرافق والبنى التحتية للأولمبياد.

وفي الوقت نفسه، فتح مكتب المدعي العام في بوبينييه تحقيقًا أوليًّا في "توظيف أجانب بدون تصريح في إطار عصابة منظمة".

إجراءات ضد أرباب العمل الفاسدين

وقال المدير العام للشركة نيكولا فيران يوم الثلاثاء: "بعثنا برسالة إلى المدعي العام لبوبينييه لنبلغه بأننا نريد الانضمام إلى الإجراءات ضد أرباب العمل الفاسدين" مُذكّرًا "بالرغبة في أن تكون (الشركة) قدوة للمواقع الأولمبية".

من جهته، أوضح أنطوان دو سويش مدير الإستراتيجية والابتكار في الشركة، أنه عندما أُثير موضوع سوليديو: "اتخذنا فورًا الإجراءات اللازمة" بإنهاء عقد المقاول من الباطن المخالف وكذلك مجموعة البناء العملاقة التي لجأ إليها.

وتابع: إن الشركة منذ ذلك الحين عزّزت إجراءاتها، وذهبت إلى أبعد مما تتطلبه القوانين"، مشيرًا في الوقت عينه إلى أنه من المستحيل إنشاء نظام "منيع تمامًا" لعمليات احتيال مماثلة.

صحيفة ليبيراسيون الفرنسية تكشف في تحقيق لها معاناة العمال في مواقع التشييد لأولمبياد باريس

بدوره، قال جان-ألبير غيدو من اتحاد العمال العام إن هذه الشبكة من العمل غير القانوني تقف وراءها "شركات تركية" من الباطن. وأوضح أنه "نظام يعمل بطاقته الكاملة" مع شركات تعلن إفلاسها بمجرد أن تشعر بالقلق.

حوادث وتضحيات

في حين تريد الحكومة إنشاء تصاريح "للمهن غير المرغوبة"، رافق غيدو حوالى 30 عاملًا في مواقع الأولمبياد في إجراءات تسوية أوضاع وقد تحصّل على بعضها.

وأوضح غيدو: "إنهم يعملون في أكثر الوظائف عُرضةً للحوادث ويتم استغلالهم بشكل مفرط"، مضيفًا: "في مواقع البناء، المتغيّر الوحيد هو أجر العامل. وعندما يجب بذل جهد إضافي في حالات معينة؛ لا تأخذ الشركات ظروف العمل في الاعتبار".

بالإضافة إلى ذلك، هل يدرك المقاولون من الباطن وشركات البناء العملاقة أن العامل ليس في وضع سليم؟!

وقال شيكنا، وهو رجل مالي الجنسية يبلغ 38 عامًا، لم يرغب في الإفصاح عن اسمه الحقيقي ضاحكًا: "بالطبع! أنا أعطيت أوراقًا مختلفة مرتين للشركة نفسها، ووظفتني"، لكنه طُرِد بعد عملية تفتيش في أكتوبر/ تشرين الأول.

بدوره، قال موسى الذي طلب أيضًا عدم كشف هويته لأسباب أمنية: "نفعل ذلك من أجل العائلة (التي بقيت) في مالي، والتي ننفق عليها (ماديًا). نقدم كل التضحيات من أجل هذا العمل".

ابتزاز واستغلال

وأضاف هذا المالي الذي يعيش "بخوف" منذ أن طُرِد من موقع البناء، حيث كان يعمل في ديسمبر/ كانون الأول بعدما اشتكى علنًا من ظروف العمل: "كل هذه الملاعب الجميلة بناها فقراء... تم استغلالهم".

وتابع: "هناك "ابتزاز"، سواء لدى العمل في بناء القرية الأولمبية أو أي عمل آخر"، مشيرًا إلى أنه عندما يُطلَب من أحد القيام بعمل إضافي: "إمّا أن تبقى أو تأخذ أغراضك" ثم ترحل.

وخلال الأعوام الـ 15 التي عاش فيها في فرنسا، عمل موسى في مجالات مختلفة، أولًا في التنظيف، ثم في الضيافة، والآن في البناء.

وهو لا يرى أي فرق على أرض الواقع بين الموقع الأولمبي والمواقع السابقة التي عمل فيها، وشرح: "يقوم 80 % من المهاجرين بالعمل الشاق. نرى ماليين وبرتغاليين والأتراك. بينما الفرنسيون.. في المكاتب".

وعلى غرار الآخرين، يطلب تسوية أوضاع "لا أكثر"، حتى يكون قادرًا على التحرك بحرية دون "الخوف من التحقق من الأوراق".

من جانبه، لا يطلب غاي سارامبونو أكثر من ذلك. وفي أثناء انتظاره للعثور على عمل في أحد مواقع البناء، يقوم أحيانًا بتفريغ شاحنات مقابل 40 يورو في اليوم.

في غضون ذلك، يستعد اتحاد العمال العام لتقديم ملف تسوية لأوضاع سارامبونو الذي يعلم أن الإجراء يستغرق وقتًا؛ لكنه يقول إنه إذا حصل على الأوراق في غضون 18 شهرًا، فلن تغدو محنته سوى أنها كانت مجرد حلم سيئ.

شارك: