مونديال قطر يعيد الاعتبار لدور المهاجم الصريح

2022-12-13 20:38
المغربي يوسف النصيري مهاجم صريح يخطف الأضواء في مونديال قطر (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

قدّم مونديال قطر 2022، الذي وصل حاليًا إلى دوره نصف النهائي، العديد من الدروس الفنية والتكتيكية، وذلك من خلال 60 مباراة لُعبت في البطولة حتى الآن.

وبلغت منتخبات الأرجنتين وفرنسا والمغرب وكرواتيا الدور نصف النهائي، حيث ستتبارى اليوم الثلاثاء الأرجنتين ضد كرواتيا، وفرنسا ضد المغرب يوم غدٍ الأربعاء، قبل خوض المباراة النهائية يوم الأحد 18 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.

وشهدت البطولة تألق العديد من المهاجمين في مركز قلب الهجوم الكلاسيكي، أو ما يُعرف في أوساط كرة القدم الشعبية بـ"الرقم 9"، بعدما اندثرت تلك النوعية من المهاجمين في الأعوام الأخيرة، في ظل ثورة الأفكار والخطط التكتيكية، بما تضمن تفضيل شريحة كبيرة من مدربي كرة القدم الاعتماد على المهاجم "الوهمي" أو المتحرك.

المُلاحَظ في مونديال قطر، وفي واحدة من أبرز الدروس التكتيكية المُقدَّمة خلال البطولة، أن المنتخبات التي اعتمدت على خطة لعب ترتكز على مهاجم حقيقي حققت نجاحات أفضل من تلك التي راهنت على اللعب بمهاجم وهمي، الأمر الذي أعاد الاعتبار لصاحب الرقم 9 في عالم كرة القدم.

ما أسلوب المهاجم الوهمي؟

كان المدرب الإسباني بيب غوارديولا، المعروف باسم "الفيلسوف"، أول مَن اعتمد على أسلوب المهاجم الوهمي حين كان مدربًا لنادي برشلونة الإسباني، مُستغلًا وقتها تألق الأرجنتيني ليونيل ميسي للزج به في هذا المركز، وبعد ذلك، استفاد غوارديولا من وجود العديد من اللاعبين أصحاب المهارة، في صورة البلجيكي كيفين دي بروين والإنجليزي فيل فودين والجزائري رياض محرز وآخرين، ليواصل مهاجمه منافسيه بطريقة "المهاجم الوهمي".

ويعتمد أسلوب المهاجم الوهمي أساسًا على عدد من لاعبي خط وسط أو لاعبي الرواق لشغل مركز قلب الهجوم، ومحاولة الدخول في عمق دفاع الخصم من أجل سحب المدافعين المحوريين وخلق المساحات في دفاعات المنافس، ممّا يسهّل عملية تسجيل الأهداف.. كل ذلك جعل العديد من المدربين يُقرِّرون الاستغناء عن المهاجم الحقيقي والكلاسيكي في خططهم.

لكن، بالرغم من أن أسلوب "المهاجم الوهمي" أتى أُكُله في العديد من المباريات والمسابقات، بعدما تطبقه العديد من الفرق والمنتخبات؛ سرعان ما فطن له الخصوم، ممّا حدّ من خطورته.

جيرو وفالنسيا والنصيري يخطفون الأضواء

في مونديال قطر كان الأمر مختلفًا، وظهر ذلك جليًا خلال مباريات ربع النهائي، فالمنتخبات التي راهنت على قلب هجوم حقيقي في خططها نجحت في خطف تأشيرة التأهل، بمقابل خروج وإقصاء أغلب الفرق التي لا تمتلك مهاجمين صريحين.

وتمكن مهاجم ميلان الإيطالي، أوليفييه جيرو، من التألق لحد الآن في المونديال القطري مع المنتخب الفرنسي، ليُسهم بصورة مؤثرة في قيادة "الديوك" إلى الدور نصف النهائي، بعد تسجيله هدف الفوز أمام منتخب إنجلترا، كما لعب جيرو دورًا كبيرًا في الانتصارات التي حققتها فرنسا في البطولة حتى الآن.

نفس الكلام ينطبق أيضًا على المغربي يوسف النصيري، مهاجم نادي إشبيلية الإسباني، الذي يتمتع بكامل صفات المهاجم الحقيقي، والذي تمكن من تسجيل هدف الفوز لمنتخب بلاده المغرب أمام البرتغال، في واحدة من أكبر مفاجآت مونديال قطر حتى الآن.

وبالإضافة إلى هذا الثنائي، فإن العديد من المهاجمين "الكلاسيكيين" الآخرين قدّموا مردودًا جيدًا في منافسات كأس العالم 2022، بالرغم من إقصاء منتخبات بلادهم في أدوار سابقة، على غرار إينر فالنسيا مهاجم منتخب الإكوادور، وفاوت فيخهورست مهاجم منتخب هولندا.

البرازيل وإسبانيا أبرز ضحايا "المهاجم الوهمي" في المونديال

من بين أبرز ضحايا خطة "المهاجم الوهمي" في مونديال قطر يظهر منتخبا البرازيل وإسبانيا، فالأول غادر المسابقة في ربع النهائي، أمّا إسبانيا، فأُقصِيَت من دور الـ16 على يد المغرب.

المنتخب البرازيلي، الذي رُشِّح بقوة لنيل اللقب قبل انطلاق المنافسة لامتلاكه العديد من النجوم الناشطين في مختلف الدوريات الأوربية الكبيرة، لم يتمكن من التأهل إلى المربع الذهبي، لعدم امتلاكه قلب هجوم حقيقي على مستوى.

من جانبه، عجز المنتخب الإسباني عن تسجيل هدف واحد أمام المغرب، بسبب خطة المدرب المُقال لويس إنريكي، حيث قرر إنريكي في مباراة المغرب عدم الاعتماد على المهاجم ألفارو موراتا أساسيًّا، في محاولة للعب بـ"مهاجم وهمي"، ما كلّف إنريكي ومنتخب إسبانيا الكثير.

تعقيبًا على ذلك، طالب أسطورة الكرة الألمانية يورغن كلينسمان المنتخب الإسباني بضرورة تغيير أسلوب لعبه، قائلًا في تصريحات لصحيفة "ماركا" الإسبانية: "إسبانيا أحدثت ثورة في الفترة من 2008 إلى 2012، وتبنى العديد من الاتحادات والمدربين واللاعبين أسلوبها؛ لكن في النسخة الحالية من المونديال، رأينا كيف تبحث المنتخبات عن شيء مختلف.. يجب أن يكون هناك دور أبرز للأجنحة والظهيرين، وربما اللعب بمهاجم صريح، كي تكون قادرًا على صناعة الفارق".

وختم رئيس اللجنة الفنية التابعة لـ"فيفا" في كأس العالم 2022 حديثه قائلًا: "إسبانيا كانت تلعب برأس حربة وهمي، وربما لم تعد تُحسَم المباريات بهذه الطريقة".

غوارديولا تراجع.. فهل تتغير فلسفة المدربين الآخرين بعد المونديال؟

إذا كان أسلوب اللعب بمهاجم وهمي يُنسب إلى "الفيلسوف" غوارديولا؛ فقد تراجع الأخير فعليًا عن هذا الأسلوب، والمتتبِّع لمباريات مانشستر سيتي سيدرك ذلك تمامًا، خاصةً مع قدوم النرويجي إيرلينغ هالاند، حيث بات الأخير يمثل ركيزةً في تشكيلة "بيب"، كمهاجم حقيقي وصريح لا غنى عنه.

وعلى ضوء ذلك، وفضلًا عن النتائج المسجَلة في نهائيات كأس العالم قطر 2022، يبقى السؤال الذي يطرح نفسه حاليًا هو: هل فلسفة المدربين الآخرين ستتغير أيضًا، ونرى تكتيكات أخرى وطريقة لعب جديدة مبتكرة في المستقبل القريب، أو على الأقل العودة إلى الاعتماد على رأس الحربة الكلاسيكي بدلًا من "المهاجم الوهمي؟

شارك: