كيليان مبابي.. داخل في المكسب خارج من الخسارة..!
لا يبدو أن هناك عملًا أكبر وأصعب من ذلك الذي ينتظر فريق باريس سان جيرمان الفرنسي في المرحلة الأخيرة من دوري أبطال أوروبا، يوم الأربعاء القادم، حيث يتوجب على الفريق الباريسي الاختيار: إما البقاء أو الفناء.
ولا يبدو أن هناك مشقة مضنية تنتظر الفريق الباريسي هذا الموسم، أخطر من مشقة مواجهة فريق بوروسيا دورتموند الألماني على ملعبه الحصين ومعقله الأسطوري سيغنال إيدونا بارك في مباراة لا تقبل القسمة على اثنين.
على فريق باريس سان جيرمان أن يلوم نفسه كثيرًا، لأنه هو من اختار تعقيد مشهد تأهله إلى الدور الثاني، مرة عندما سقط في فخ التعادل أمام نيوكاسل الإنجليزي في ملعبه (بارك دي برنس)، ومرة أخرى عندما تجرع هزيمة غير مستحقة من طرف ميلان الإيطالي في سان سيرو.
والأدهى من هذا أن الفريق الباريسي كان بالفعل على وشك مغادرة دوري أبطال أوروبا، لولا ركلة جزاء مشكوك في صحتها، احتسبها الحكم في الوقت بدل الضائع أمام نيوكاسل، منحت الفريق نقطة بيضاء، قد تنفع في اليوم الأسود.
لا يمكن الحديث عن المباراة الشاقة التي تنتظر (بي إس جي) في دورتموند، دون الإشارة إلى رجلين يقفان على أطراف أصابعهما تحسبًا لما ستؤول إليه معطيات معركة سيغنال إيدونا بارك.
الأول: مهاجم الفريق الباريسي وهدافه في الدوري الفرنسي ودوري أبطال أوروبا، النجم كيليان مبابي، الذي يدرك جيدًا أن فريقه المطالب فقط بالفوز على دورتموند، كمن يتمسك بقشة لتقيه من غرق وشيك.
والثاني: مدرب الفريق الباريسي الإسباني لويس إنريكي، الذي يعلم تمامًا أن مستقبله في (بارك دي برنس) مهدد، ما لم يتجاوز فريقه عنق زجاجة دورتموند، ويعود من عش الدبابير مكللًا ببطاقة التأهل إلى الدور الثاني من المسابقة الأعرق أوروبيًا.
وإذا كان فريق بوروسيا دورتموند قد ضمن إحدى بطاقتي التأهل بالنقاط العشرة التي جمعها في خمس مباريات، فمن المؤكد أن أسود الفيستفاليا لن يتراخوا أمام الفريق الضيف لسببين:
الأول: الفوز على باريس سان جيرمان يعد انتقامًا ومطلبًا من جماهير لم تستسغ هزيمة الفريق في باريس خلال الجولة الأولى بهدفين دون رد.
والثاني: الفوز وحده على الفريق الباريسي يؤمن الصدارة للفريق، ويعبد طريقه أكثر نحو مواجهة أقل حدة في الدور الثاني، على عكس ما قد يحدث له لو تنازل عن الصدارة مكرهًا لمصلحة باريس سان جيرمان، على خلفية المواجهات المباشرة.
لا يمكن الحديث عن الدوافع والحوافز التي يراهن عليها باريس سان جيرمان بالعودة من معقل أسود الفيستفاليا فائزًا، دون غض الطرف على أنها ذات الدوافع والحوافز التي يراهن عليها بوروسيا دورتموند أيضًا.
بالطبع هناك جمهوران يترقبان نتيجة موقعة سيغنال إيدونا بارك على أحر من الجمر، وكلاهما يتمنى عكس الآخر، فجمهور باريس سان جيرمان يأمل أن يقتنص فريقه بطاقة التأهل، لأنها وحدها من ستدفع النجم كليان مبابي للتعاطي مع مشروع تجديد عقده لعامين إضافيين.
وفي الطرف الآخر يتمنى جمهور ريال مدريد الإسباني أن يجهز أسود الفيستفاليا على نسور باريس سان جيرمان، ويرسلونهم بلا رحمة إلى الدوري الأوروبي (بطولة الضعفاء كما يحلو للبعض تسميتها)، لأنه في حال إقصاء (بي إس جي) من دوري أبطال أوروبا، سيكون في حكم المؤكد توقيع كليان مبابي لريال مدريد خلال يناير القادم، وهكذا يبدو مبابي -بغض النظر عن التأهل من عدمه- داخلًا في المكسب وخارجًا من الخسارة.
راوغ كيليان مبابي مؤخرًا ناديي باريس سان جيرمان وريال مدريد بذكاء مشرعًا بابه أمامهما؛ لكن بحسابات مختلفة تبدأ وتنتهي عند النقطة التي يفترض أن يبلغها باريس سان جيرمان في دوري أبطال أوروبا.
يرى كيليان مبابي أن مشروعه الجديد مع باريس سان جيرمان يمكن أن يمضي قدمًا لعامين إضافيين؛ لكنه ربط بقاءه رأس حربة لهذا المشروع بالمكانة التي يلزم أن يتبوأها الفريق في دوري أبطال أوروبا هذا الموسم.
ووضع كليان مبابي فريق ريال مدريد الإسباني كخطة طوارئ بديلة، يمكن التعاطي معها بجدية إذا حدث لفريقه الباريسي ما لا يحمد عقباه، لا سيما أن كيليان يمسك بكل خيوط التفاوض مع الميرينغي بين يديه.
ولأن مباراة سيغنال إيدونا بارك ليس فيها مجال لأنصاف الحلول بالنسبة للفريق الباريسي، فإن لويس إنريكي يراها مباراة حياة أو موت، وسيكون فيها مضطرًا لرفع شعار شكسبير: أكون أو لا أكون.
فوز باريس في قلب مدينة دورتموند مسألة صعبة للغاية، بالنظر إلى عادة الفريق الباريسي الذي ينقبض وترتعد فرص لاعبيه كلما لعبوا خارج قواعدهم، ومع ذلك فإن المهمة ليست مستحيلة، شريطة أن يتحلى لاعبو إنريكي بالانضباط التكتيكي والتوازن النفسي.
ما ينقص باريس سان جيرمان في دوري الأبطال هذا الموسم هما عاملا الاستماتة والتضحية، ومن دون هذين العاملين لا يستطيع الفريق الباريسي اصطياد أسود الفيستفاليا في معقلهم الصعب.
الكوابيس التي تداهم إنريكي ومبابي هذه الأيام كثيرة، لأن الاثنين يعتقدان أن نتيجة المباراة سيترتب عليها مستقبل جديد، فلا كيليان ولا إنريكي على استعداد للعب في الدوري الأوروبي، إذا ما قدر لباريس العودة من سيغنال إيدونا بارك دون نقاط الفوز.