برشلونة | كيف ينجو من كمين نيغريرا؟!

2023-03-18 10:47
علم برشلونة يرفرف فوق ملعب كامب نو معقل النادي الكتالوني (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تعاملت الصحافة الإسبانية مع الشكوى الرسمية التي قدمها المدعي العام الإسباني ضد برشلونة، تمامًا كما تعامل التاريخ مع معركة تحطيم أسطول الأرمادا الإسباني أمام غريمه البريطاني منذ قرون خلت.

وبمجرد تفجير المدعي العام قنبلة اتهام نادي برشلونة بالفساد ودفع أموال للحصول على مساعدات من الحكام داخل الملاعب، حتى تحولت القضية إلى ما يشبه الفضيحة والعار على صدر معظم الصحف الإسبانية دون استثناء.

منذ أيام أماط المدعي العام الإسباني اللثام عن واحدة من أخطر القضايا الكروية التي تمس شرف ونظافة الكرة الإسبانية، ولم يكن المدعي العام ليتجرأ على توجيه تهمة الرشوة والتلاعب بنتائج المباريات لمصلحة برشلونة لأكثر من 17 عامًا دون سند قانوني قوي يؤكد ويثبت تهمة الرشوة.

رجل واحد في إسبانيا والعالم لا ينام ولا يغمض له جفن ويعيش كابوسًا رهيبًا، لأن تهمة الرشوة تتقمصه من قمة رأسه حتى أخمص قدميه حسب ادعاءات المدعي العام، الأمر بطبيعة الحال يتعلق بالسيد خوسيه ماريا نيغريرا نائب رئيس لجنة الحكام السابق في لا ليغا.

ولم يكتف ِمكتب المدعي العام في إسبانيا باتهام نادي برشلونة في قضية الفساد وتقديم دفعات مالية مشبوهة لنائب رئيس لجنة الحكام السابق خوسيه نيغريرا، لأجل الحصول على أفضلية من الحكام، بل إن مكتب المدعي العام بدأ يلوح بورقة الإدانة التي قد تدفع ببرشلونة إلى غياهب الدرجة الثانية وتجريده من كل ألقابه التي ظفر بها في عهد نيغريرا.

وحتى اللحظة لم يصدر رد فعل قوي من نيغريرا، فوسط عاصفة ملاسنات لا تبقي ولا تذر يلتزم نيغريرا الصمت والاختباء بعيدًا عن عيون وسائل الإعلام، وهو موقف يراه الذين يصبون الزيت على النار دليلًا قويًا على أن الرجل متورط بالفعل، وفي جرابه الكثير من المفاجآت.

النقطة التي يركز عليها المحققون في القضية تتعلق بسهولة تتبع الأموال التي جمعها نيغريرا من خلال التدقيق في قراءة التقارير الواردة من مصلحة الضرائب، وهذا التتبع المتسلسل من المرجح أن يكشف الحقيقة ومعرفة ما إذا كان هناك مدفوعات لحكم أو عمولات من تحت الطاولة لأي شخص.

وما يلفت النظر بحق لهذه المزاعم أن مصلحة الضرائب نفسها أكدت أن لا دخان من دون نار، بدليل أنها كشفت عن سحب نائب رئيس لجنة الحكام السابق (نيغريرا) لمبلغ 550 ألف يورو بين عامي 2016 و 2019، من دون أن تتمكن الجهات ذات العلاقة تحديد المكان الذي ذهبت إليه الأموال، لحسن حظ نيغريرا على الأقل حتى الآن.

السؤال الأقرب إلى فوازير رمضان مفاده: كيف نجحت صحيفة ماركا الإسبانية الموالية لنادي ريال مدريد في الحصول على تأكيدات معززة بفواتير رسمية تشير إلى أن نيغريرا أنفق نحو 150 ألف يورو في عام واحد، على الرغم من أن الاتحاد الإسباني نفسه قام بتغطية جميع نفقات إقامته وسفره وطعامه في تلك الفترة؟!

دعونا من الصحافة الرياضية التي تتصف غالبًا بالمبالغة وسرعة التحول من ضفة الغضب والاشتعال إلى ضفة إثارة الرأي العام طمعًا في رفع سقف أرقام التوزيع والمتابعة، وللنظر إلى ردود الأفعال الساخنة التي انتقلت في مباراة أتلتيكو بيلباو وبرشلونة من الجانب النظري إلى الجانب العملي.

فعلى ملعب سان ماميس بإقليم الباسك، ألغى الحكم هدفًا سجله لاعب بيلباو إيكر مونيايين في مرمى برشلونة، بدأ للوهلة الأولى أن الكرة لمست كتف اللاعب وليس يده، غير أن حكم تقنية (فار) تدخل فأفسد فرحة بيلباو، فكيف جاء رد الفعل من مدرجات الملعب؟

اشتعلت مدرجات سان ماميس غضبًا لهذا قرار، فبدأ وكأن هذا القرار فرصة لتحريض جماهير بيلباو التي استغلت قضية الفساد والرشوة، فألقت عملات نقدية مطبوعًا عليها شعار نادي برشلونة، في موقف أعاد إلى الأذهان ردة فعل الجمهور الجزائري بحق فضيحة (خيخون) بين منتخبي ألمانيا الغربية والنمسا في ختام مباريات الدور الأول في مونديال إسبانيا عام 1982 والتي راح ضحيتها محاربو الصحراء ظلمًا وعدوانًا.

ولم يتأخر رد فعل نادي ريال مدريد -الغريم الأزلي لبرشلونة- كثيرًا حين قرر ركوب موجة أعداء برشلونة في قضية رشوة الحكم نيغريرا، فأصدر بيانًا رسميًّا شديد اللهجة مطالبًا بتنفيذ العدالة، وهو بيان يشير بالطبع إلى أن نادي ريال مدريد سيكون ضد برشلونة حال فتح القاضي الإجراءات أمام كل الأطراف المتضررة من القضية برمتها.

ودون أدنى جدال يشعر خوان لابورتا رئيس نادي برشلونة الحالي بالخطر المحدق برحلة الفريق عندما يلعب خارج أرضه، وهو من دون شك يخشى التصرفات العدائية من الجماهير التي قد تسهم في زعزعة الاستقرار الذي يمر به الفريق مع المدرب تشافي هيرنانديز، في وقت يبدو البارسا أقرب إلى لقب الليغا من حبل الوريد.

ما فعله جمهور بيلباو في سان ماميس ستفعله جماهير الأندية الأخرى، وما يلوح في الأفق من استقبال عدائي لبرشلونة على خلفية الرشوة والفساد يستوجب أن يتدخل لابورتا فورًا، فـ"يسيح" دمًا ويقطع عرقًا قبل أن يفقد النادي شعبيته ويصبح رهينًا لمتاهة الداخل فيها مفقود والخارج منها مولود.

ومن يعرف دهاء خوان لابورتا كمحام ضليع في هكذا قضايا، يعولون كثيرًا على ثغرات قانونية يمكن للابورتا اللعب عليها للحصول على البراءة دون استئناف، كيف؟!

يرى قانونيون أن لابورتا في موقف جيد لوأد القضية في مهدها، لكنه بحاجة إلى الإسراع في تحريك الدعوة قبل أن تتدخل أطراف أخرى معنية بالقضية.

ووفقًا لقانونيين من مكتب لابورتا نفسه، يبدو أن اتهامات المدعي العام لم تقدم دليلًا قويًا فاحمًا يؤكد أن برشلونة اشترى ذمم الحكام، فهل بنى المدعي العام عريضة الاتهام على وابل من التكهنات دون وثائق وحجج دامغة؟

* الذين يراقبون هدوء لابورتا في تعامله مع القضية يرون أن هذا السلوك جزء من شخصية المحامي، وهو بالتأكيد هدوء قد يسبق عاصفة رد الفعل، فهل هذا ممكن وفقًا لما هو متاح لنا من معلومات؟

الإجابة نعم وبالقطع، لأن شكوى المدعي العام ينقصها الشهود الفعليون، فحتى الآن هناك مؤشرات توضح أن الشكوى مجرد دخان من دون نار.

يتهم المدعي العام برشلونة بالإدارة غير العادلة و التورط في صنع مستندات تجارية مزورة، تدل على أن النادي الكتالوني قدم دفعات مالية باهظة لسلسلة من الخدمات، لكن المدعي العام لم يفند تلك الخدمات بوضوح وأدلة تثبت أنها ذهبت لمصلحة شركة نيغريرا محور القضية برمتها.

حتى عريضة الاتهام التي تطرقت لعملية تزوير في مستندات تجارية بفواتير تم تحصيلها، لم تزود بأدلة توضح الغرض، و لعل هذه الثغرات رهان لابورتا في الدفاع عن شرف ونظافة نادي برشلونة، ما لم يكن المدعي العام يخبئ في معطفه مفاجآت لا تخطر على بال لابورتا نفسه، فأي تطور جديد في القضية يعني أن الليلة البرشلونية الظلماء المفتقد فيها لبدر البراءة لا زالت طويلة للغاية.

شارك: