الشغب.. السرطان القاتل بين تجربة الإنجليز والقانون المغربي

2022-09-13 02:27
الشغب الجماهيري يعود مجددًا إلى الملاعب المغربية (twitter/Dosportarabia)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

الحديث عن الشغب في المغرب والتطرق إلى تفاصيله المتنوعة، أصبح مملًا؛ لازدحام أحداثه وتلونها، فلا يخلو أسبوع كروي دون سماع رجةٍ شغبٍ على سلم المدرجات والتي تصل درجاتها إلى أقصى مستويات الزلازل في قمة خرابها؛ فتأتي على الأخضر واليابس.

ففي اللحظة التي حوَّلت فيها دولٌ مباريات كرة القدم إلى فضاء عائلي (إنجلترا) نموذجًا، حيث أسقطوا وأزاحوا كل الحواجز اللاآدمية (مثل الأقفاص الحديدية، الأسلاك، القضبان)، وقلَّصوا المسافة الفاصلة بين الجمهور وأرضية الملعب إلى متر واحد، لتمنح المشجع تجربة المشاهدة وكأنه أمام خشبة المسرح، ليستمتع بأجواء مسرحية ما هي حقيقةً إلّا مقابلة في كرة القدم يحضرها الأب والأم والصغار يشجعون جميعهم دون خوفٍ من اختلال الذوق السليم في الأجواء المحيطة.

فالانضباط والجمال الموجودان في الدوري الإنجليزي حاليًا هما حصاد لما زرعته مارغريت تاتشر (المرأة الحديدية)، رئيسة الوزراء السابقة، ما نراه الآن من جماهير غفيرة تجلس بنظامٍ وانتظام في الملاعب بدون فواصل "تراك" أو أسلاك تحول بينهم وبين الملعب كما يحدث في أمريكا الجنوبية، الكل في إنجلترا يلتزم بالقوانين ويخشي العقاب.

ولعل تعامُل الاتحاد الإنجليزي ونادي تشيلسي مع واقعة اعتداء ثلاثة من جماهير البلوز عنصريًّا علي مشجع فرنسي عقب مباراة باريس سان جيرمان والنادي اللندني في العاصمة الفرنسية ومنعه من ركوب القطار لمجرد أن بشرته داكنة خير دليل علي ذلك.

والغريب في ظاهرة شغب الملاعب -وإن كان بلد المنشأ هو بريطانيا- فإنها انتشرت كالنار في الهشيم في شتى أقطار الأرض، والدول العربية ليست استثناء، فقد شهدت ملاعبها خلال فترات متباعدة حوادث شغب دامية تسببت في سقوط قتلى وجرحى؛ لكن بعد هذه الحوادث، أخذت بريطانيا تُسابِق الزمن من أجل إعادة ترتيب أوراق الجمهور تحت رعاية (تاتشر المرأة الحديدية) التي تعاملت مع الشغب وكأنه سرطان وجب بتر الأعضاء المصابة به.

في المغرب، وبالرغم من قانون الشغب الزجري الذي شرعه البرلمان وصدقت عليه الحكومة، إلا أنها لم تفرمل السرعة التي ينتشر بها سرطان الملاعب. إذ أصبحت كرة القدم في المغرب تعاني من تنامي وتيرة العنف في الملاعب.

فمع أول دورة، تحركت عجلة العنف وأحداث الشغب، بعدما كانت مقتصرة على الشجار بين مشجعي الفريقين وتكسير بعض مقاعد المدرجات، أصبحت أعمال الشغب الآن تصل إلى الشوارع وتشهد تخريب الممتلكات العامة والخاصة والاعتداء على المواطنين وارتكاب سرقات، كلها أمور أخرى تنم عن الطيش والهياج.

لعلنا نتفق أن الخطوة الأولى لعلاج أي مشكلة هي الاعتراف بوجود المشكلة، بدايةً يجب أن نعترف أن "الشغب" أصبح ظاهرةً سلبيةً تُشوّه السلوك الرياضي لجماهيرنا داخل الملاعب وخارجها. فرجال الأمن يقومون بجهد كبير لضبط فئة شاذة من مثيري الشغب في المدرجات، ويتضاعف الجهد للسيطرة على سلوكيات تلك الفئة حينما تُعبِّر عن فرحها عقب المباريات بأسلوبٍ لا يتناسب مع أخلاق مجتمعنا.


ومع توالي مراحل الحسم في أهم مسابقات كرة القدم المغربية، سنكون على موعدٍ مع الشغب في قادم المباريات. وسنسمع قصصًا مُخجِلة عن تجاوزات بعض الشباب، وأخبارًا محزنة عن حوادث مرورية نتيجة السرعة والتهور. وهنا يبرز سؤال هام عن أسباب هذه الظاهرة الدخيلة على المجتمع المغربي.

والجواب -في رأيي المتواضع- يتلخص في عدة أسباب منها: غياب وسائل التنشئة للجماهير داخل الأسرة والمؤسسات التعليمية، ناهيك عن  التعصب الرياضي، والشد العصبي، وغياب الوعي. ولعل مسؤولية تفاقم المشكلة تقع على عاتق من أسهم في انتشار تلك الأسباب، وفي ذهن كل قارئ قائمة طويلة من الإعلاميين والإداريين واللاعبين الذين يضرمون نار التعصب، ويزيدون حالة الشد العصبي، ويسهمون في تناقص الوعي الرياضي عند فئة معينة من الجماهير المثيرة للشغب، والهدف؟!

لنبدأ بالإعلام، حيث ينبغي أن يكون له دور الريادة في اجتثاث هذه المشكلة من جذورها، وتأكيد أهمية التحلي بالخلق الرياضي القويم داخل الملعب وخارجه. ولعمري إن مسؤولية الإعلام كبيرة في هذا الشأن.

نتمنى أن يُغلَق الباب في وجه مثيري الفتنة من أصحاب الرؤى التي لا تخدم الصالح العام، مع فتح الصفحات والفضائيات لصوت الوعي الذي يرتقي بوعي المتلقي. ومع إيماننا بالنهضة التي يعيشها الإعلام الرياضي، إلّا أنّ بحث بعض الصحف والفضائيات عن الإثارة قد أضلهم الطريق ولا بُدّ من عودتهم السريعة لتقديم الرسالة الإعلامية الهادفة.

كما يجب مراقبة ما يجري ويدور في الفضاء الأزرق (السوشيال ميديا) وتتبعه؛ لأن تأجيج الصراع ينطلق افتراضيًّا وإلكترونيًّا قبل أن يتحول ويصير صراعًا وشغبًا واقعيًّا.

الدعوة موجهة إلى الجهات المختصة؛ لتفعيل القوانين والضرب بيدٍ من حديد على كل مَن سوّلت له نفسه تقويض المشهد الرياضي وجعله عرضةً للفوضى والشغب.

شارك: