مآلات الأسواق الثقافية والرياضية بعد الإسلام

تحديثات مباشرة
Off
2023-07-14 12:37
من فعاليات سوق عكاظ الثقافية والرياضية (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"عن ابن عباس رضي الله عنهما: كانت عكاظ ومَجَنَّة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية فتأَثَّمُوا أنْ يَتَّجِرُوا في المواسم فنزلت: "لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ" في موسم الحج".

هذا الأثر المنقول عن ابن عباس رضي الله عنهما يدلّ على أن الأسواق الثقافية والرياضيّة ونقصد بها عكاظ ومجنة وذي المجاز قد بقيت زمنًا في صدر الإسلام.

ومما يدل على بقاء هذه الأسواق حتى صدر الإسلام يتبايعون فيها ويمارسون فيها أنشطتهم الثقافية والرياضيّة ما جاء في رواية سنن أبي داود عن عَبْدِ الله بنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: "أنَّ النَّاسَ في أوَّلِ الْحَجِّ كَانُوا يَتَبَايعُونَ بِمِنًى وَعَرَفَةَ وَسُوقِ ذِي المَجَازِ وَمَواسِمِ الْحَجِّ فَخافُوا الْبَيْعَ وَهُمْ حُرُمٌ، فأَنْزَلَ الله سُبْحَانَهُ "لَيْسَ عَلَيْكُم جُنَاحٌ أنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُم" في مَواسِمِ الْحَجِّ قال فحدَّثني عُبَيْدُ بنُ عُمَيْرٍ أَنَّهُ كَانَ يَقْرَؤُهَا في المُصْحَفِ".

وقد كانت هذه الأسواق الثقافيّة والتجاريّة والرياضيّة ميدانًا من الميادين التي يقصدها رسول الله صلى الله عليه وسلّم من أجل التعريف بالإسلام ودعوة النّاس إلى دين التوحيد؛ فقد كان -صلوات ربي وسلامه عليه- يطوف بالقبائل في المواسم يدعوهم إلى الإيمان بالله وإلى نصرته حتى يبلغ دين ربه وأن يمنعوه من أذى المشركين وما يرمونه به من الجنون والسحر والكهانة والكذب.

جاء في تفسير ابن كثير: "قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن أبي العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه قال: أخبرني رجل يقال له ربيعة بن عباد من بني الدّيل وكان جاهليًا فأسلم قال: "رأيتُ النّبي صلى الله عليه وسلّم في الجاهليّة في سوق ذي المجاز وهو يقول: "يا أيها الناس قولوا لا إله إلا الله تفلحوا" والناس مجتمعون عليه ووراءه رجلٌ وضيء الوجه أحول ذو غديرتين يقول: "إنّه صابئ كاذب، يتبعه حيث ذهب، فسألتُ عنه فقالوا: هذا عمّه أبو لهب".

وجاء في تهذيب الكمال للحافظ المزي على لسان حكيم بن حزام أنه قال: "وكلّ هذِه الأسواق ألقَى بها رسول الله في المَواسِم يسْتعرِض القبائلَ قبـيلةً قَبـيلةً، يَدعوهم إلى الله، فلا يَرى أحدًا يَسْتجيب له، وأُسْرَتُه أشدُّ القبائل عليه، حتَّى بعَثَ ربُّه لَه قوْمًا أراد بهم كرامتَهُ، هذا الحيّ مِن الأنصار، فبايَعوه، وصدَّقوا به، وآمنوا به، وبَذَلوا أنفُسَهم وأموالَهم، فجَعَلَ الله له دار هِجْرةٍ وملْجَأ، وسَبَق مَن سَبَق إليه، فالحمدُ لله الذي أكرَمَ محمَّداً بالنُّبوة"

وهكذا كانت هذه الأسواق ميدانًا للدعوة إلى الله تعالى، في رسالة مهمة في استثمار المواسم الرياضيّة في التعريف بدين الله تعالى ورسالة الإسلام وسماحته وإزالة ما يلصق به من تهم باطلة.

ولكن كيف انتهت ظاهرة هذه الأسواق في تاريخنا الإسلامي؟

يوجد رأيان في مسألة نهاية هذه الأسواق واندثارها مع الوقت:

  • الرّأي الأول: أنّ هذه الأسواق اندثرت بمجيء الإسلام وسيطرته لأنّ وجودها كان مرتبطًا بوجود أصنام فيها فلما هدمت الأصنام التي كانت تعبد فيها انتهت بشكلٍ آليّ.

قال الخليل بن أحمد: "عكاظ اسم سوقٍ كان للعرب يَجتمعون فيها كلَّ سنة شهرًا، ويتناشدون ويتفاخرون، ثمَّ يفترقون، فهدمه الإسلام"

ومثل هذا قاله الجاحظ: "وكانوا بقرْب سوق عكاظ وذي المجاز، وهما سوقان معروفان، وما زالا قائِمين حتَّى جاء الإسلام".

وكذلك قال الجوهريّ: عكاظ: اسم سوق للعرَب بناحية مكَّة، كانوا يَجتمعون بها في كل سنة، فيقيمون شهرًا ويتبايعون ويتناشدون شعرًا ويتفاخرون، قال أبو ذؤيب:

إِذَا بُنِيَ القِبَابُ عَلَى عُكَاظٍ

وَقَامَ البَيْعُ وَاجْتَمَعَ الأُلُوفُ

وقال ابن منظور: "وهي بقُرب مكَّة، كان العرب يَجتمعون بها كلَّ سنة فيقيمون شهرًا، يتبايعون ويتفاخرون ويتناشدون، فلمَّا جاء الإسلام هدم ذلك".

  • أمّا الرأي الثاني فهو: أنّ الأسواق الثلاثة عكاظ ومجنة وذي المجاز استمرت في صدر الإسلام، بقيت كذلك حتى خرج الحرورية وهم فرقة من الخوارج الذين قاموا بتخريبها. فسوق عكاظ انتهت عام 129م عند خرج الحرورية في مكة مع المختار بن عوف الأزدي، فخاف الناس من التعرض للنهب والسلب والفتنة فتركوا السوق من وقتها وانتهى ولم يعد له وجود، أما سوق مجنة وذي المجاز فانتهيا بعدها بفترة واستغنى الناس عن هذه الأسواق بأسواق مكة وعرفة ومنى.

قال البكري: "واتُّخذتْ سوقًا -أي عكاظ- بعد الفيل بِخمْس عشرة سنة، وتُركتْ عام خرجتِ الحروريَّة بمكَّة مع المختار بن عوف سنة تسع وعشرين ومئة إلى هلمَّ جرًّا.

وهكذا انتهت ظاهرة الأسواق الثقافيّة الثلاثة عكاظ ومجنة وذي المجاز تحت وطأة إرهاب الخوارج وفقدان الأمن الذي يعد العامل الرئيس في ازدهار الثقافة والرياضة والاقتصاد.

شارك: