رياضة الصُراعْ في جبال النوبة (1-2)

تحديثات مباشرة
Off
2023-06-04 17:45
رياضة المصارعة (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا ركانة، ألا تتقي الله وتقبل ما أدعوك إليه؟
قال: إني لو أعلم أن الذي تقول حقًا لاتبعتك".

فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أفرأيت إن صرعتك، أتعلم أن ما أقول حق؟
قال: نعم".

قال: "فقم، حتى أصارعك".
فقام إليه ركانة يصارعه، فلما بطش به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أضجعه، وهو لا يملك من نفسه شيئًا.
ثم قال رُكانة : "عُدْ يا محمد. فعاد فصرعه فاسلم رُكانة".

كانت تلك قصة النبي الكريم -عليه أفضل الصلاة والتسليم- مع ركانة بن عبد يزيد بن هاشم بن عبد المطلب بن عبد مناف الْمُطَّلِبِيِّ، والذي كان أميرًا من أمراء العرب المشهورين وفرسانهم الأشداء، ضخم الجسم، قوي العضلات، وما صارع أحدًا إلا صرعه. 

رياضة المصارعة من الرياضات القديمة قِدم التاريخ نفسه، قِدم صراع الإنسان مع الحيوان للحصول على الطعام والرغبة في القوة الجسدية للتميز عن الآخرين ثم حكمهم والسيطرة عليهم.

في بلاد السودان لرياضة المصارعة تاريخ ضارب في القِدم أيضًا؛ إذ يعود تاريخ ممارستها في مناطق جبال النوبة في ولاية جنوب كردفان لأكثر من مئة عام وتُسمّي في العامية السودانية "الصُراعْ".

وُجدت أيضًا رسومات تصور مصارعة النوبة على جدران المعابد والمدافن القديمة في مملكتي نبتة ومروي في شمال السودان وجنوب مصر وفق إفادات العلماء والباحثين والمهتمين بالآثار السودانية، وهي بذلك تصبح أقدم من المصارعة الرومانية المعروفة لأسبقية حضارة كوش تاريخيًا.

القيم المعنوية في صراع قبائل جبال النوبة تتمثل في الشجاعة والفروسية ومحاكاة قوة الثور رمز القوة في المنطقة، ونجد اللاعبين يقومون بترديد همهمات شبيهة بصوت الثور مع بعض الرقصات كإحماء قبل المباراة.

تعتمد مباراة الصُراعْ على قوة الجسم ومرونته؛ حيث ترتكز اللعبة في الأساس على الأيدي ولا توجد بها ركلات أو لكمات وتُحسم المباراة حين ينجح أحد اللاعبين في إسقاط خصمه على الأرض، لا يتعدى زمن المباراة العشرة دقائق؛ حيث تكون الدقائق الخمسة الأولى تحمية ومناوشات دون اشتباك لمعرفة نقطة ضعف الخصم ومن ثم الانفضاض عليه وإسقاطه على الأرض وتنتهي المباراة بالتعادل في حال فشل أحدهما في إسقاط الآخر.

رغم أن الرياضة كانت وما زالت حِكرًا على الرجال؛ لكن دور النساء في تلك المناطق القبلية يظهر جليًا في إشعالهن لحماس اللاعبين والمحاربين والتغني بشجاعتهم وقوتهم، يبدأ دور الفتيات مبكرًا في فترة تحضير اللاعب لمباريات موسم الحصاد القادم، تنتخب كل فتاة مصارعًا تُعجب به وتشجعه وتجلب له الهدايا مثل أساور الخرز والسُكسُك لليد والرقبة بالإضافة للملابس ذات الألوان المزركشة حتى يحين موعد المباراة، فتشارك قبل المباراة في تجهيره بنزع ثيابه عنه إلا ما يستر عورته وهي تغني له الأغاني لتحميسه. 

في حال فوز اللاعب يمنح قبيلته الفخر والعزة فتنحر القبيلة الذبائح احتفالًا بفوز ابنها ويحصل اللاعب على الغرامة أو الرهان المُحدد قبل المباراة والذي يكون عادة أما من الحيوانات، ثور أو بقرة أو شاة أو خروف .. إلخ، أو من المواد التموينية، شوال سُكر أو دقيق .. إلخ.

يدفع المهزوم الغرامة قبل أن يغادر الملعب وفي حال رفضه الدفع ينقلب ذلك التشجيع إلى تنفيذ عُرف عقوبة "التلجين" وهو عرف قديم بمعنى المُقاطعة الاجتماعية فترفض الصبايا رد تحية المهزوم في طرقات البلدة ورفض الحديث معه حتى يدفع ما عليه من غرامة. 

شارك: