إلى عُشَّاق مارادونا

تحديثات مباشرة
Off
2023-07-04 19:15
النجم الأرجنتيني الراحل دييغو أرماندو مارادونا (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

جميعنا نعلم أن للرِّياضات المختلفة عُشَّاقًا، وأنَّ لكرة القدم على وجه الخصوص مُحبِّين وعُشاقًا كُثُرًا، ويدلُّنا على ذلك كثرةُ المُهتمِّين بمتابعة المباريات المحلية والعالميّة، كما أن نظرة بسيطة إلى السنوات التي تُقام فيها مباريات كأس العالم لكرة القدم؛ تكفي للدلالة على مدى محبّة كثيرٍ من الناس واهتمامهم بها، بل وَلعِهم وهَوَسهم بها، وتَسابقهم لِشِراء التذاكر والسفر إلى البلاد المُضِيفة، وحضور المباريات الحَماسيّة عن قُرب، ومن قلب الحدث، على ما يحتاجه ذلك من قدرات مادية وزمانية للمتابعة والتفرّغ من الأعباء والأعمال.

ولا يكتفي مُحبّو كرة القدم بالمتابعة، بل يَتَبَنَّونَ محبةَ فريق أو لاعب تَبَنِّيًا كاملًا، ويشجّعونه ويتابعون جميع أخباره على مرِّ السّنوات وعلى كافة الأصعدة، فلا يتركون مرحلة من مراحل عمره بدون دراسة وتمحيص، ويترقبون أخباره العامّة وأخبار أُسرته ونشاطاته عن كَثَب.

مارادونا... مَن مِنّا لم يسمع باسم اللاعب الشَّهير (دييغو أرماندو مارادونا)؟
لاعب كرة القدم الأرجنتيني الذي يُعدُّ أحد أعظم لاعبي كرة القدم على مَرِّ التاريخ، وقد كان أحد الفائزَين بالمناصفة بجائزة لاعب القرن العشرين للفيفا.

كان مارادونا أسطورةَ كرة القدم لأعوام مَديدة، وما يزال اسمه حتى اليوم معروفًا وحاضرًا، فكثيرًا ما يُشبّه المُعَلِّقون الرياضيّون اللاّعبينَ الماهرين به، فيذكرون اسمَه ويتردَّدُ على ألسنتهم كثيرًا. وقد وصلت شُهرته إلى الشَّباب العربيِّ فأحبُّوه وتعلَّقوا بمشاهدته، وأُعجِبُوا بمهاراته الفَذّة، لا سيّما أنّه صار مُدرّبًا لنادي الوصل الذي فاز في الدوري الإماراتي للمحترفين عام 2011، وفي عام 2017 أصبح مدربًا لنادي الفجيرة أيضًا.

شَغَلَ مارادونا عقولَ مُحِبّي كرة القدم، حتّى صار مالئ الدُّنيا وشاغل النّاس في عصره؛ لذا فإنه من الطّبيعي أن نجد شاعرًا عربيًا من عُشَّاق مارادونا يَنظم فيه أبياتًا شعرية تحكي لنا بطولاتِه، وترسم ملامحَ انتصاراته، فقد كتب فيه أحدُ الشُّعراءِ أبياتًا جميلة يقول في مَطلعِها:

تَعَوَّدتُ في الخَلَواتِ أثناءَ الأصل    ***     كِتابةَ ما أَلقَى من الحُسنِ في الغَزَل
ولكن للإِلهامِ نَبعٌ وأَبْحُرٌ     ***      تَحارُ بِها الأبصارُ والرُّوحُ تَنفعِل
كَذَاكَ الفَتى بالكُرَةِ حينَ يَسُوقُها    ***     تُلاحِق يُسراهُ ولِليُمنَى تَنتَقِل
ويَعدُو بِها كالسَّهمِ يُرعِبُ حَرَسَه    ***     لِيُحرِزَ هَدفًا غَيرَ قابلٍ للجَدَل

يُصوِّرُ الشَّاعر مهارة مارادونا في تمرير الكرة بين قدمَيه، وأثر انطلاقه بها كالسّهم في خصومه؛ إذ يشعرون بالرُّعب والانكماش، وكأنَّهم لا طاقة لهم على مجاراته والوقوف في وجه اندفاعه نحو تسديد الهدف الذي لا يختلف على براعته وحقيقته ناظران.

ويكمل الشاعر حديثه مُنبَهِرًا بجمال اللَّعبِ واحترافية مارادونا؛ اللاعب الأسطورة الذي حصل في وقت مبكر من عمره على لقب (الطفل الذهبي) لمهارته وقدراته الإبداعية والاستثنائية في كرة القدم، كما اشتهر بمهارته العالية في الرّكلات الحُرّة؛ لذا نرى الشاعر متحدثًا عن براعته وواصفًا موهبته الفريدة بقوله:

يُراقِصُها لما تَضِيقُ مساحة    ***     فينجُو ويبقى الجَمعُ في مجمع هَزل
وتَمريرَةٌ كالخَطِّ من بينِ أَرجُلٍ     ***      على أيِّ بُعدٍ لِمَنْ يَرومُه تَصِل
جَميلُ انطِلاقِ العَدوِ غير مُلاحَق    ***     وليس بِحافِي القَدمِ والخَصم مُنتَعِل

يُصوِّرُ هنا الشَّاعرُ اندفاعَ مارادونا وتخطَّيه لصفوف لاعبي الخصمِ برشاقة وخِفَّة، وكيف يتركهم وراءه حَيارَى وكأنّهم في هزل من أَمرِهم، وكأنَّ مارادونا وهو يقود الكرة بمهارة ويُخلِّصها من بين أقدام لاعبي الخصمِ؛ يُراقِصُها فتستجيب له بانسجامٍ وتَناغُمٍ، فيخرج من بين الصّفوفِ وهي بِحوزَتِه ويُمرِّرُها لِمنْ يشاءُ من رِفاقه، فتُطيعُه الكرة وتشقُّ طريقَها مهما بَعُدَ وصَعُب لِتَصِل إلى هَدَفِه ومُراده.

ويُبالِغُ الشاعر في تصوير رشاقة مارادونا، وانبهاره بقدراته العالية؛ إذ يَصِفُ لنا جمال انطلاقه والكُرةُ بين قَدَمَيه، ويُصوِّرُ سرعة عَدوِه، وكأنَّه حين يركض في ساحة الملعب يبدو وحيد المَسعَى، لا يقوى الخصومُ على مُلاحقته ومُجاراته، وكأنَّه لِفَرطِ خِفَّتِه ورشاقته وسرعته في الرّكض حافي القدمين، وما هو بذلك! وكأنَّ اللاعبين الآخرين مُقيّدةٌ أقدامُهم بالأحذية، وما هم كذلك أيضًا. 

ويُكمل الشاعر رسمَ هذه اللَّوحة الفنّية البَهيّة وبَيانَ إعجابه بلَعِبِ مارادونا ومُناوراته، فيقول:

تَرَاهم بُعَيدَ اليأسِ مِن إيقافِه     ***       يحطون جلادًا يُلاحقهُ كَظِلّ
وكمّاشَةٍ تَحتاطُ منهُ بِرَكلَةٍ    ***     وإيقاعِه أرضًا وقد أعيَتِ السُّبُل
تَجاوَزَهم وهو بِقامَتِه دُونَهم    ***     ولكن في قَدَمَيه من دُونهم عَقل

يُحدِّثنا في هذه الأبيات عن حِيَلِ الخُصومِ إذا ما التَقَوا بمارادونا في ساحة الملعب، فيَحارُونَ كيف يهزمونه، وكيف يُحيطون به، ويُضيِّقون عليه ويُعيقونَ تسديده للكرة، فيختارون منهم مَن يُلاحِقهُ كَظِلِّه أينما تَوجَّه، ويُعيِّنون مجموعةً منهم للتَّصَدِّي لِركلاتِه الشَّهيرة بقوّتها وإصابتها لهدفها، ويُحاولون تَثبيطَ عَزيمتِه وإيقاعه وكَفَّه عن هدفِه وسَعيِه، لكنّهم يَبُوؤُون بالفشلِ كيفما حاولوا، فعلى الرَّغم من قِصَرِ قامَتِه قِياسًا بغيره من اللّاعبين، فقامته كانت تبلغ مترًا وخمسةً وستين سنتيمترًا فقط، فإن ذلك أَعانه على خِفّة الحركة وزيادة السُّرعة، فتميّز بذلك تميُّزًا لافِتًا، واستعمله فيما ينفع مَسعاه وأهدافه، فلننظر إلى قول الشاعر: (تَجاوَزَهم وهو بِقامَتِه دُونَهم)؛ إذ يُركّزُ ها هنا على هذه الفكرة ويؤكّد مهارةَ مارادونا واحترافيَّته في لعب كرة القدم... ولا عَجَب! فهذا اللّاعبُ الأسطورة شَغَلَ الدُّنيا طولًا وعرضًا، وأَثارَ قوافيَ الشُّعراء فخلّدوا اسمَهُ وذِكرَه.

شارك: