النصر.. الأصفر البراق ضاع في الأنفاق!

تحديثات مباشرة
Off
2023-04-29 14:30
البرتغالي كريستيانو رونالدو أحرز 12 هدفًا في الدوري السعودي هذا الموسم (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

أخطأ إبليس، فرفض السجود، ثم دخل في تحدٍّ أخرق وأرعن استحق عليه فرصة الوسوسة في صدور الناس مقابل خلوده في النار، وأكل أبونا آدم من الشجرة التي نهاه الله عنها، فترتبت على ذلك المكابدة مع الحياة وتقلباتها. 

ومن دون جدال أخطأت إدارة نادي النصر السعودي عندما لم تلعن إبليس، ولم تتنبه لوسوسته داخل المكاتب المغلقة، فزين لها مقادير خلطة سحرية متنافرة، كانت تظنها الطريق نحو تشكيل (غلاكتيكوس) أصفر فاقع يسر الناظرين، والنتيجة أن الأصفر البرّاق ضاع في الأنفاق. 

رأس مشكلة النصر وجذعها وأطرافها أن الإدارة تصورت أن التعاقد الفلكي مع اللاعب العالمي كريستيانو رونالدو علاج حاسم لأزمات النصر الفنية المزمنة، وفاتت عليها واقعية أن اليد الواحدة لا تصفق من دون منظومة إدارية وفنية متكاملة، باعتبار كرة القدم لعبة جماعية لا يستقيم ظلها والعود الإداري أعوج.

ولا علاقة هنا لغلطة النصر بالعشر درجات التي تُخصم من رصيد الشاطر، من منطلق أن أزمات النصر المستعصية نتاج سلسلة من الأخطاء المتراكمة، ليست وليدة موسم بدأه النصر بعنفوان، قبل أن يصاب بهبوط حاد في دورة اللاعبين البدنية والفنية، تمامًا مثلما أصيب الإداري المناوب بترهل ذهني سمح لإبليس وأقرانه بممارسة بعض الألعاب الدراكولية.

ولأن إبليس يلعب من دون رقابة في أروقة نادي النصر، ولم يجد من يلعنه، فسرعان ما اكتشف جمهور النصر أن رونالدو لا يمكنه أن يؤدي دور الرجل الخارق، لاعتبارات ذاتية وموضوعية محفوظة عن ظهر قلب، لعل أبرزها أن (الدون) البرتغالي يعيش مرحلة أرذل العمر كرويًّا، ومن الصعوبة بمكان أن تطلب من لاعب تجاوز سن الثامنة والثلاثين لبن العصفور.

وإذا كان خطأ إدارة نادي النصر عند تعاقدها مع رونالدو بشيك مفتوح يكفي لإعالة بلد صغير، فإن أساس الخطأ هو أن الإدارة اعتقدت أن الأندية المنافسة في دوري روشن السعودي ستصاب بتلبك معوي لمجرد مشاهدة رونالدو يركض ويسدد ويسبح في الهواء بحثًا عن ضربات الرأس.

في العام 1990 انهار جدار برلين، وتزحلق جيش الدب الروسي الأحمر على صلعة ميخائيل غورباتشوف، وشهد العالم تغيرات دراماتيكية سريعة وخاطفة بفعل رياح البيروستريكا العاتية التي عصفت بجمهوريات ما يُعرف بالاتحاد السوفيتي، في نفس اللحظة التي راح فيها الفنان الجزائري (الشاب خالد) يبشر المشارقة والمغاربة بالألفية الثالثة على أنغام (ديدي واه).

تلك السنة سجلت آخر تتويج لنادي النصر ببطولة كأس الملك، بعدها دخل الأصفر البراق نفق سنوات عجاف طويلة وقاسية ومريرة أين هي من سنوات يوسف وعزيز مصر وامرأته.

وأشهد -والشهادة لله- أن هناك في نادي النصر مَن حوّل (العالمي)، وهو اللقب الذي يحلو للعشاق تسمية نصرهم به، إلى لوغاريتم يصعب فك طلاسمه بالتي هي أحسن، بدليل أن القدر منح النصر هذا العام مسارًا سهلًا في بطولة كأس الملك ليضرب موعدًا مع غريمه التقليدي الهلال في النهائي الحلم، غير أن النصر رفض الهدية باستهتار، واختار التنكيد و(العكننة) على عشاقه باندحاره السمج أمام الوحدة على ملعبه ووسط جمهوره الغلبان، فسقط من حالق الوحدة مضرجا بدمائه.

قلتها وأكررها لعل التكرار يعلّم الشطّار: المال وحده لا يصنع فريقًا ناجحًا ومهيبًا يجمع المجد من طرفيه، وجلب لاعب عالمي كبير مثل رونالدو لا يضمن بطولة أو لقبًا، قبل كل هذا الزخم من التجييش هناك الإدارة المحترفة الواعية التي ترسم وتخطط وتضع كل مليم في مكانه الصحيح، بعد ذلك يأتي المدرب الذي يصهر (الغلاكتيكوس) في بوتقة تكتيكية متناغمة يعرف من خلالها كل لاعب دوره وحجمه المناسبين.

من دون شك، وقعت إدارة النصر في سلسلة من الأخطاء القاتلة، بدايةً من تكريس مهامها في مراقبة الهلال ومحاربته عبر اللجان، مرورًا بالتفريط في هداف كبير برخص التراب مثل المغربي عبد الرزاق حمد الله، ولا أظن سلسلة الأخطاء المستنسخة تقف عند حد الاستغناء عن الهداف الكاميروني الخطير فينسينت أبو بكر.

وحتى عندما بدأ النصر يفقد بعضًا من توازنه في الدوري ويتنازل عن الصدارة مُكرَها لحساب الاتحاد، صبت الإدارة جام غضبها على المدرب رودي غارسيا، وعندما تمت إقالته لأمر دُبّر بليل، كانت إدارة النصر تقدم إلى جمهورها الدليل الساطع القاطع على أنها فعلًا تتعاطى الغرائب، فبدأ النصر مع مدرب الطوارئ أشبه بالغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، فنسي فيما بعد مشيته.

لا داعي للتستر والاختفاء خلف شماعة المدرب، وتعليق أسباب تفاوت أداء النصر على المدرب وحده باعتباره "حمّال أسية"، وتكلفة تقديمه كبشًا للفداء مرضيةً للإدارة وللاعبين معًا.

فمهما تكن أخطاء المدرب رودي غارسيا المغضوب عليه من رونالدو تحديدا؛ فالمسؤولية على عاتق اللاعبين، كان يجب عليهم تحمل مسؤوليتهم داخل الملعب بالتضحية والاستماتة والرغبة الجامحة في القتال إلى آخر نفس.

بإيجاز شديد ودون لف أو دوران، خروج النصر من بطولة كأس الملك، واقترابه من خسارة سباق دوري (روشن) لحساب اتحاد جدة، عقاب منطقي؛ لأن اللاعبين سيئون داخل الملعب والإدارة الفنية سيئة خارج الملعب، يجب أن يكون التقويم عادلًا ويضع كل الأطراف في غربال واحد.

ولأن الجزاء من جنس العمل، فعلى الإدارة النصراوية إعادة ترميم الواجهة الإدارية، وتفعيل كل قنوات الوعي، على أساس أنه ما من مزارع في رأسه خلية من مخ زَرَع التين الشوكي، وعند الحصاد انتظر ثمرة الفراولة.

شارك: