هل أهدر بيب غوارديولا فرصة ذهبية؟

2021-06-08 09:01
الصحفي الرياضي المصري أحمد عطا
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم يكن أبدًا من دائرة اهتماماتي الحكم بشكل قاطع على مدربي كرة القدم من خلال ما يصرفونه في سوق الانتقالات، فإن صرف هذا المدرب زكائب من الأموال فإن هذا يجعله مدربًا فاشلًا، وأما إن كان مقتصدًا مخلصًا لجيوب مستثمري النادي فإن هذا يجعله مدربًا بطلًا.


لكني أعلم أن تلك النظرة كثيرًا ما يجود بها متابعون على بيب غوارديولا.. الرجل الذي صرف أكثر من مليار يورو منذ أن تولى تدريب مانشستر سيتي.


ما يشغلني فعلًا هو مسألة صرفه لمئات الملايين من اليوروهات على ضم مدافعين جدد دون تأثير يذكر على صلابة دفاعه الذي لا ينفك يخذل مشجعيه كلما كان الرهان عليه، وفقط أحدث روبين دياز تحسنًا إيجابيًا ملحوظًا.


إن استثنينا الظاهرة دانيلو فإنه كان يمكن تفسير أغلب صفقات غوارديولا الدفاعية.. جلب أفضل مدافع في أندية لا تنافس عادة على لقب الدوري كانت هي استراتيجية مانشستر سيتي طوال تلك السنوات، ورغم ذلك لم يدفع السيتي الشيء الهين في كل هؤلاء، بل اتسمت تلك الصفقات بالبذخ حتى وإن جاء هذا المدافع ليلازم مقاعد البدلاء أغلب فترات الموسم.


لكن هذا لم يمنع أن يتحول أغلب هؤلاء المدافعين إلى مسوخ. قدم جون ستونز مستوى ممتازا رفقة إيفرتون وكان أبرز عناصر دفاعه ليتحول إلى أضحوكة رفقة النادي السماوي، ولم يختلف الحال مع نيكولاس أوتامندي الذي قدم موسمًا مبهرًا في الليغا مع فالنسيا كان قادرًا فيه على منع ليونيل ميسي نفسه من مراوغته في لقطة 1 على 1 شهيرة من منتصف الملعب وحتى مرمى الخفافيش لكن الأرجنتيني تحول إلى آلة للأخطاء الفادحة قبل أن يتخلص منه السيتي ضمن آخر صفقة من صفقاته في الميركاتو عندما جلب روبين دياز من بنفيكا.


صحيح أن كرة القدم تتداخل في مسألة نجاح لاعب من عدمه مع ناديه إلا أنه لا يمكن الركون إلى تلك الفكرة وتجاهل أن كل هؤلاء المميزين سابقًا سيتحولون إلى لاعبين فاقدين للهوية والشخصية فجأة.


نظام بيب غوارديولا الدفاعي فاشل إلى أقصى درجة.. هذا أمر لم نعرفه بين يوم وليلة.. لم نعرفه حتى في مانشستر سيتي، بل حتى عندما كان غوارديولا يتلاعب بالعالم كله رفقة برشلونة ويمتلك خط دفاع بلاعبين من عينة بويول وماركيز وبيكي وألفيش وأبيدال وغيرهم، كانت الفلسفة الرئيسية هي.. "امنع وصول الخطورة إلى الدفاع أو الويل سينتظرك".


بيب غوارديولا مدرب يمتلك خطة واضحة.. وجود أكبر عدد من لاعبيك في نصف ملعب الخصم سواء كنت تمتلك الكرة أو لا تمتلكها.. عندما تمتلكها لا يختار غوارديولا سوى الهجوم بأكبر عدد ممكن من اللاعبين.. لأغراض هجومية عن طريق توفير خيارات التمرير ومنح الفريق أكبر قدرة على اختراق دفاعات الخصم، ولأغراض دفاعية حتى يكون الفريق قادرًا على تفعيل الـ counter pressing أو الضغط المضاد بمجرد فقدان الكرة.


وعندما لا يمتلك الكرة فإن الضغط المعتاد على حامل الكرة يبدأ من حارس مرمى المنافس نفسه ولا يتوقف إلا باستعادة الكرة أو خروجها خارج حدود الملعب.


لكن الإحصائيات تُظهر أن هذا الضغط لم يعد بنفس القوة أو الكفاءة وأن متوسط عدد التمريرات التي يمررها المنافسون قد ارتفع بمقدار 1,5 تمريرة في الهجمة الواحدة عما كان عليه الحال في فترة السيتي الذهبية، بينما تُظهر إحصائية أخرى أن قدرة المنافسين على صناعة فرصة تسديد أخطر قد ارتفعت جدًا فمتوسط الـ xG أو الهدف المحتمل من تسديدات المنافسين ارتفع من 0,097 إلى 0,128 .. أي أن فرصة تسجيل هدف من تسديدة ارتفع بهذا المقدار وهو فارق قد يبدو لك بسيطًا لكنه يسمح برقم لا يُستهان به من الأهداف الزائدة إن سُدد عليك ما يزيد على 250 تسديدة في الموسم وهو معدل السيتي.. نسيت أن أخبرك أن هذا الارتفاع يفوق في السوء 99 حالة من 100 على مدار المواسم الخمسة السابقة في البريميرليغ (20 فريقًا في 5 مواسم =100)!


فرق إنجلترا أصبحت أكثر حنكة في مواجهة هذا الأسلوب.. بيب ليس الوحيد الذي أصبح يعاني في هذا الصدد بل ثمة معاناة تظهر بين الحين والآخر عند يورغن كلوب هو الآخر.


أصبح الإنجليز أكثر مهارة في تمرير الكرة تحت الضغط وأكثر قدرة على التعامل مع المساحات الضيقة، لكن هذا الأمر ليس فقط خطتهم في التعامل مع مثل هذه النوعية من الفرق الجوارديولية بل إنه حتى الكرات الطويلة أصبحت أكثر ذكاء وأكثر دقة واختيارية لإيصالها لمهاجميك أو لأجنحتك .. أي أن الفرق لم تعد تشتت الكرة فقط حيث تعود الكرة إليهم بعد 3 ثوانٍ بالضبط كما قال غوارديولا في وقتٍ سابق، بل إن كثير من تلك الكرات الطولية أصبحت مشكلة كبيرة لبيب حيث يتم استغلال الفجوة الناتجة عن تقدم الوسط للضغط تاركًا الخط الخلفي وسط حيرة التقدم للأمام أم البقاء في الخلف.


ومع تطور الإنجليز في التعامل مع الضغط يومًا بعد يوم، تظهر مشاكل خطة غوارديولا المعتادة والمستمرة في وضع مدافعيه بين فكي الرحى إذ يكونوا أشبه بجون سنو وهو ينتظر -يائسًا- جيش اللقطاء ولا يدري كيف يمكن أن يوقفهم.


مشكلة غوارديولا الرئيسية تنفجر فعلًا عندما يفشل فريقه في تسجيل الكم الكبير من الفرص التي يصنعها (السيتي كان الفريق الأكثر صناعة للفرص في الموسم الماضي بفارق كبير عن ليفربول)، فخطته لا تضع حسابًا للرعونة الهجومية ويظهر ذلك أكثر في أوروبا التي تفوز فيها أغلب الفرق لأنها كانت قادرة على منع الخطورة على مرماها عندما لم يكن فريقها موفقًا عند منطقة جزاء المنافس.


هل أخطأ غوارديولا في عدم استغلال فرصة ذهبية لضم تياغو؟


لكن هذا الأمر يبدو قديمًا بعض الشيء أليس كذلك؟ ما الجديد إذًا .. الجديد هو أننا أصبحنا نشاهد بيب غوارديولا يفقد السيطرة على بعض المباريات التي يبدأها بشكل جيد جدًا .. حدث ذلك مثلًا أمام ليدز يونايتد الذي حاصره بيب ورجاله في الشوط الأول وأحكموا قبضتهم على اللقاء قبل أن تنفك تمامًا في الشوط الثاني الذي كاد فيه رجال مارسيلو بييلسا أن يخطفوا الفوز.


هل كان غوارديولا بحاجة لضم تياغو عقب رحيل دافيد سيلفا؟ في مقاله بموقع ذي أثلتيك في سبتمبر الماضي يقول الصحفي سام لي إنه في ظل رحيل دافيد سيلفا فإن الخيار الذي كان يتوقع الكثيرون أن يلجأ إليه غوارديولا هو اللعب بفيل فودين إلى جوار دي بروينة لكن منذ ذلك الحين وبيب لجأ كثيرًا إلى وضع فودين ضمن الثلاثي الأمامي وأحيانًا كرأس حربة.


وصحيح أنه من بعد مقال سام لي فإن غوارديولا لجأ إلى فودين بجانب دي بروينة إلا أن الصحفي المتمرس في نادي مانشستر سيتي أوضح أن برأيه لا فودين ولا بيرناردو سيلفا يشبهان دافيد سيلفا وأن أسلوب لعبهما مشابه أكثر لدي بروينة من حيث الانطلاق بالكرة للأمام والاختراق فيما يميل لاعب سوسييداد الحالي إلى التمركز ومنح الكرة دور البطولة بتمريرها للأمام إلى من ينتظرها بدلًا من الانطلاق بها بنفسه .. ألا يذكركم هذا بلاعب آخر؟ تياغو سيلفا مثلًا؟ ذلك الرجل الذي كان متاحًا بـ25 مليون جنيهًا استرلينيًا.


فقط إلكاي غوندوغان هو من يشبه سيلفا إلى حدٍ ما لكن على ما يبدو فإن غوارديولا قد يفكر في لحظةٍ ما من الموسم في خيار ثنائية الارتكاز رودري وفيرناندينيو -بعدما يعود من الإصابة- في بعض المباريات الهامة أملًا في منح الفريق صلابة أكبر وفرصة أخرى لقطع الكرة قبل أن تصل إلى هؤلاء المساكين في الخلف وتحويلهم إلى المزيد من "الستونز" و"الأوتامندي".


كلها محاولات من غوارديولا لأن يكون حال الفريق أفضل مما كان عليه في الموسم الماضي أو ربما لإثبات أنه لم يفقد سحره بعد وأن مازال لديه المزيد من الحيل لاستعادة زمام الأمور بعد أن بعثرها يورغن كلوب بشدة في الموسم الماضي فيما لم يحتج الأمر لأكثر من أوليمبيك ليون ليبعثرها في أوروبا.
 

شارك: