مزدوجو الجنسية.. من نار فرنسا إلى جنة الجزائر!

2023-03-24 19:26
الجزائري حسام عوار بقميص ليون الفرنسي (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

لم أكن على دراية بما يحدث في الملاعب الفرنسية من انقلابات كروية وانتفاضات شعبية ومعارك جانبية، تثور كالبركان فتلهب حماس الجماهير في المدرجات وتسيل من الحبر ما يغري على رصد خفايا ما يحدث من وراء الكواليس في أزمة فرنسا مع مزدوجي الجنسية. 

وعلى ما يبدو أن سنوات العسل الطويلة بين الفرنسيين والجزائريين قد انتهت، فحان موعد سنوات البصل التي توحي بأن التوتر بين الجانبين مرشح للتصعيد، طالما بقي ديدييه ديشامب على رأس الإدارة الفنية للمنتخب الفرنسي.

يبدو أيضا أن السياسة أطلت هذه المرة بكامل جسدها في مشهد الانقلاب الذي بدأه الدولي (مزدوج الجنسية) حسام عوار، صانع ألعاب نادي ليون الفرنسي، ولا أظنه سينتهي عند رفض بعض مزدوجي الجنسية تمثيل الديوك في مختلف المنتخبات السنية الأخرى. 

وعندما انتفض حسام عوار بشكل مباغت وغير متوقع معلنا تخليه رسميا عن المنتخب الفرنسي، والعودة مجددا إلى الجذور الأصلية، حيث الأرض والهوية الجزائرية، ردا على تجاهله الواضح من ديشامب.

تسربت عناصر اليمين المتطرف إلى مدرجات ملعب ليون، فهاجموا عوار "عمال على بطال" وهتفوا ضده؛ لأنه اختار تمثيل منتخب الجزائر بعد سنوات من المعاناة مع ديشامب الذي أحرقه فعليا بمباراة دولية وحيدة تحولت في مسيرته إلى ما يشبه مسمار جحا.

شكلت قضية المهاجم الفرنسي ذي الأصول الجزائرية الهدّاف كريم بنزيما -الفائز مؤخرا بالبالون دور- مع المدرب ديشامب، منعطفا خطيرا في علاقة اللاعبين مزدوجي الجنسية مع المجتمع الفرنسي.

وعندما خرج بنزيما عن صمته وهاجم بكلمات كاريكاتورية لاذعة مدرب الديوك ديشامب، متهما الناخب الفرنسي بأنه كاذب ومحتال ويقلب الحقائق، كان هناك من يخبئ ورقة العنصرية، لتصبح فيما بعد الوسيلة التي تنصل من خلالها بعض مزدوجي الجنسية من فرنسيتهم، ويأتي في مقدمة هؤلاء بالطبع صانع ألعاب نادي ليون المتألق عوار.

وإذا كان اليمين المتطرف الذي ما فتئ يهاجم الملونين ومزدوجي الجنسية من أبناء الضواحي علنا، فإن أقسى ما يمكن أن تقرأه في حكاية مزدوجي الجنسية مع المجتمع الفرنسي أنهم يضعون أنفسهم بين مطرقة العنصرية وسندان اتحاد فرنسي لا يرى فيهم إلا زادا لمرحلة يأكلهم لحما ثم يرميهم عظما.

فهم فرنسيون عندما يتألقون ويحرزون البطولات بألوان المنتخب الفرنسي، وهم ذاتهم الدخلاء المهجنين أبناء الضواحي الذين يرون في فرنسا الحرية والعدالة ولذة الانفتاح ضمن النوادي الكبيرة هروبا من جحيم الوطن الأصل.

لقد تساءلت صحيفة "ليكيب" الفرنسية عن الحوافز والدوافع التي استدعت لاعب نادي نانت، جوان حجام، رفض دعوة الناخب الوطني ديشامب وقبوله دعوة الناخب الجزائري جمال بلماضي، وبالقطع لم يكن قرار اللاعب بتمثيل منتخب الخضر مبنيا على الأموال والعقود الإشهارية التي تمنحها الاتحادية الجزائرية للاعبين مزدوجي الجنسية كما خلصت إليه الصحيفة، لكنه يعود إلى دفء الوطن الأم الذي افتقده اللاعب في فرنسا، حيث تتنامى العنصرية وتأكل نيرانها الأخضر و اليابس.

وإذا كانت حادثة نجم ريال مدريد، بنزيما، مع ديشامب في كأس العالم بقطر قد مثلث نقطة فارقة في إعادة ترتيب الأولويات من جديد بالنسبة طبعا إلى مزدوجي الجنسية، فإن لاعبا كبيرا مثل رياض محرز، نجم مانشستر سيتي الإنجليزي، مثَّل حافزا معنويا كبيرا للاقتداء بمسيرته، وهذا ما فعله بالضبط اللاعبان فارس شعيبي متوسط ميدان تولوز، وكيفن فان دان خيركوف ظهير نادي باستيا، اللذان رفضا ارتداء "فانلة" الديوك الزرقاء، وأقبلا بلياقة ذهنية عالية على ارتداء "فانلة" محاربي الصحراء الخضراء.

يتذكر الفرنسيون -وأولهم بطبيعة الحال ديشامب- أن الأيقونة الفرنسية وكاتب التاريخ الكروي الفرنسي الحديث، زين الدين زيدان، لاقى في ديسمبر/ كانون الأوّل من العام 2006 استقبالا جزائريا رسميا وشعبيا يليق برئيس دولة، بصورة افتقدها زيدان نفسه في فرنسا الجميلة.

ولم يكن وقتها هذا الاستقبال الذي أعقب أزمة ما حدث لزيدان في نهائي المونديال الألماني أمام إيطاليا إلا تعبيرا عن تضامن شعبي مع صاحب الجذور الجزائرية الذي لم ترحمه الصحافة الفرنسية، ولم تغفر له نطحته المونديالية الشهيرة بحق الإيطالي سليط اللسان ماركو ماتيراتزي، والتي كلفت الديوك خسارة لقب كأس العالم في نهاية المطاف. 

وزيدان تحديدا يعد رمزا قوميا لكل أبناء الضواحي، وهم يرون في فرنسيته خليطا من مسقط الرأس والوطن البديل على ضفاف المتوسط، ولأن زيدان كان دافعهم ومحركهم وملهمهم في تفضيل ارتداء "فانلة" الديوك على حساب "فانلة" منتخب الجذور، فإن ردود أفعالهم على تصريحات إيمانويل لوغريت، رئيس الاتحاد الفرنسي المقال، جاءت كالعاصفة، وتمثلت في مقاطعة المنتخبات الفرنسية والعودة إلى حيث جاذبية الوطن الأم.

وإذا كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تدخل بنفسه ليطفئ نار الغضب بين أبناء الضواحي، فإن قرار إقالة لوغريت مع الاحتفاظ بديشامب مدربا إلى ما بعد المونديال القادم، أجل موجة التمرد والامتعاض قليلا، فقد كان الوضع الفرنسي بحاجة إلى من ينفخ في رماد المجامر ليتأجج خطاب المنابر من جديد.

وفعلا كان شارع الفرنسي الملون من أبناء الضواحي ومزدوجي الجنسية بحاجة فقط إلى شرارة لتلتهب الأجواء وتتكهرب الملاعب الفرنسية عن بكرة أبيها، وهذا ما فعله الهداف بنزيما الذي اكتفى بالتعليق على تصريحات ديشامب المتعلقة بما حدث له في مونديال قطر بأنه كاذب، متوعدا بإماطة اللثام عن خفايا أخرى في لقاء متلفز لم ير النور حتى الآن، والسبب الضغوطات السياسية التي تمارس عليه من كل حدب وصوب.

متاعب الفرنسيين هذه الأيام كثيرة والحكومة الفرنسية باتت مثل بطل مسلسل عباس الأبيض في اليوم الأسود، كلما تخرج من حفرة تسقط في (دحديرة)، فآخر ما كانت تتصوره أن تتحول ردود الأفعال الصاخبة بين ديشامب وبنزيما إلى مهاترات وملاسنات فضحت مدى توغل العنصرية في الملاعب الفرنسية.

وآخر نكتة يتندر بها أبناء الضواحي من مزدوجي الجنسية تتعلق بتوجيه الاتحاد الفرنسي دعوة للمهاجم بنزيما لتكريمه بعد قرار اعتزاله دوليا، في موقف متناقض يلعب فيه الاتحاد الفرنسي "دور ذلك الذي يقتل القتيل ويمشي في جنازته".

هذه اللعبة الجديدة التي كانت محاولة فرنسية لاستمالة بنزيما وتخفيف الضغط عن ديشامب، تنبه لها قائد ريال مدريد، فرفض الدعوة رفضا قاطعا ولسان حاله يقول: "إذا لم تكونوا لي والزمان شرم-برم، فلا خير فيكم والزمان تراللي".

شارك: