لماذا نستعمل كلمة (نادٍ) للتعبير عن الفريق الرياضي؟
اعتدنا في مجال الألعاب الرياضية العديدة والمتنوعة أن نستعمل كلمة (فريق) أو كلمة (نادٍ) للتعبير عن جماعة من اللاعبين الذين يلعبون لصالح بلد معين أو مدينة محددة أو غير ذلك، مع اختلاف أعراقهم وانتماءاتهم.
لكن ماذا لو تساءلنا عن أصل هذه الكلمات، ولِمَ نستعملها دون غيرها؟ ومن أين جاءت؟ ووصلت إلى هذا المجال؟ وكيف حلّت واستحلّت ساحات الرياضة؟، وصارت معنى أساسيًّا فيها، حتى صار مَن يسمع هذه الكلمات؛ يلتفت بفكره وخياله مباشرةً نحو الرياضة وأنواعها؛ وذلك لشدة ارتباطها واتصالها الوثيق بها.
إذا ما حاولنا البحث عن الأصل اللغوي لكلمة (نادٍ)، فستواجهنا في رحلتنا البحثية مجموعةٌ من المعاني المعنوية التي تعود إلى الجذر اللغوي نفسه؛ فكما جاء في معجم لسان العرب، إذا قلنا: "نَدا القومُ نَدْوًا وانْتَدَوْا وتَنادَوا" فإننا نقصد بذلك أنهم اجْتَمعوا، ويُقال عن الجماعة من الناس حين اللقاء (النَّدْوةُ)، ومن غريب ما ستقرؤون أن العرب استعملت الفعل (نادى) مضافًا للرجل بمعنى المجالسة.
فحين نقول: "(نادى الرجلَ) قد لا نعني أنّه استعمل صوته ليُناديه فينتبه إليه ويسمع مراده، بل بمعنى جالَسه في النّادي، أي في محلِّ اجتماع القوم، و"تنادَوا" بمعنى تجالَسوا، والنَّدى مصدرًا هو المجالسة، والنَّادي مثل النَّديّ: مجلس القوم ومكان اجتماعهم ومتحدَّثهم، وكذلك المُنتدَى والمتندَّى، ولا يُسمّى (ناديًا) ما لم يكن أهله وأصحابه حاضرين فيه، فإذا تركوه وتفرّقوا لم يعد ناديًا، وتُجمَع الكلمة على أَندِية. ومنه دار النَّدوة الشهيرة في مكة المكرمة، التي بناها قُصيّ بن كِلاب، وقد سُمّيت بذلك لاجتماع القوم فيها، إذ كانوا يتنادَون إذ ما حَزَبهم أمرٌ أو طارئ ما؛ فيجتمعون للتَّشاور في أمور حياتهم وقضايا معاشهم وحروبهم وأيامهم.
ومن ذلك قوله تعالى في سورة العلق في الآية السابعة عشرة التي جاء في تفسيرها أنها خِطاب لأبي جهل عندما نهى رسول الله ﷺ عن الصلاة عند المقام: ﴿فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ﴾ أي فليُنادِ أهلَ مجلسه وأنصاره من عشيرته وقومه أجمعين. ومنه حديث النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- كما ورد بإسنادٍ صحيح، إذ رواه أبو داود والطبراني وغيرهما، وصححه الألباني في هداية الرواة؛ أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا أخذ مضجعه من الّليل قال: "بسم الله وضعت جنبي، اللهم اغفر لي ذنبي وأخسئ شيطاني، وفُكّ رِهاني وثقّل ميزاني، واجعلني في النَّدِيِّ الأعلى"، أي في المَلأ والمجلس الأعلى مع الملائكة المقرَّبين.
ومن هنا جاءت التسمية وانتقلت إلى رِحاب الألعاب الرِّياضيّة، فصار تجمُّع لاعبي الفريق الواحد واجتماعهم معًا (ناديًا)، ومن طبيعة حياة الألفاظ وما يطرأ عليها من تطور لغوي مرتبط بالأسباب الاجتماعية المختلفة والمتنوعة، صارت لفظة (النادي) تُطلق على أعضاء الفريق مجتمعين، بغضّ النظر عن مكان اجتماعهم، مع أن اللفظ كان يعني مكان اجتماع القوم وأهل المجلس معًا. وتلازمت كلمة (النادي) مع كلمة الفريق، وصارت أكثر شيوعًا في ساحات التعليق الرياضية وبين صفوف الصحفيّين والمشجعين على حدٍّ سواء.
وكذلك يُسحب الأمرُ نحو تعبيرنا عن المكان الذي نتوجه إليه لممارسة الرياضة يوميٍّا أو لِنقُل باستمرار إن لم يكن يوميًّا، لكنْ رغم اعتياد الشباب والشابات استعمال المصطلح الإنجليزي بقولهم الـ (gym) تعبيرًا عن النّادي الرياضي الذي يعني مكانًا محددًا ويمثل مساحة معينة ومخصصة لممارسة أنواع من الرياضة مثل تمارين الآيروبيك (Aerobic Exercise) وتمارين اللياقة الفيتنس (fitness) وغيرها؛ سواء باستخدام الآلات الرياضية المتنوعة كجهاز المشي وجهاز الركض وجهاز رفع الأثقال والدراجة الرياضية وغيرها، أم بالاعتماد على مدرّب رياضي متخصص بممارسة نوع أو أنواع محددة وواضحة من ضُروب الرياضة الحركية مثل الرّقص والزومبا (zumba) على سبيل المثال.
وفي هذه الأيام التي زاد فيها اعتمادنا على التقنيات الإلكترونية واستعمالنا للأجهزة الذكية وجلوسنا الطويل بين يديها، صار لِزامًا وواجبًا علينا أن نذهب إلى النَّوادي الرِّياضيّة لتحريك أجسامنا والحفاظ على صحتها وحيويتها ومَدّها بالطاقة والقدرة على الاستمرار والعطاء بنشاط... فما رأيكم يا سادة؟!