كل من لفَّ على لفيفهم!

2022-06-02 15:41
قرعة مونديال قطر 2022 (Getty)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تسيطر العولمة على مناحي كثيرة في الحياة، ربما لا ندركها في أحيان شتى.. يقع في فخها سياسيون وصحفيون كبار، لكن أحيانا يصبح السقوط في فخ العولمة ولحاق الضبّ إلى جحره هواية يغواها كبار أقوام قبل صغارهم.

تنظيم المونديال حلم كروي لا يقدر عليه إلا قلة من دول العالم المتحضر، ويعود بفوائد رياضية واقتصادية وسياسية على البلد المضيف والمنطقة المجاورة، لذلك نرى الدول تدخل في سباق محموم لتقديم ملفات منافسة لاستضافة البطولة الكروية الأكبر، وأحيانا تشترك دول لاستضافة مشتركة، مثل المونديال القادم 2026 في الولايات المتحدة والمكسيك وكندا.

فازت قطر بتنظيم كأس العالم FIFA قطر 2022 في نفس اليوم الذي فازت فيه روسيا بتنظيم مونديال 2018، وتقدمت الولايات المتحدة بملف منافس للملف القطري للظفر بهذا المونديال، فيما كانت بريطانيا من منافسي روسيا للفوز بالمونديال السابق.

الفيفا فاجأ الجميع في 2010، وأنا أولهم صراحة، بإعلان فوز روسيا وقطر بنسختي 2018، و2022، لتصب بريطانيا والولايات المتحدة جام غضبهما على هذين البلدين، بجريرة أنهما يسعيان لاستضافة المونديال، وهو حق ترى عقول استعمارية أنه خاص بها، ولا يجوز لدول أخرى التفكير بالمنافسة عليه، خاصة لو تكلمنا مثلا عن دولة عربية.

سلاح بريطانيا والولايات المتحدة الأبرز كان صحافتهما، وهي صحافة تُرفع لها القبعة في نواح معينة، لكن في ملف المونديال الخاص بقطر وروسيا، أجزم أنها "نقعت القبعة وشربت ماءها".

سألخص حديثي حول قطر، فروسيا أثبتت نفسها في المونديال السابق، وكل من عاد من موسكو، حمل معه ذكريات جميلة يصعب نسيانها، وهذا طبعا قبل أن يشن رئيسها فلاديمير بوتين حربا على أوكرانيا.

بادرت بريطانيا بتقرير عن العمال، وصدّعت رؤوسنا بحقوقهم الضائعة على حد قولها، وتبعتها الولايات المتحدة بادعاء قضايا فساد في ملف التنظيم.. كل هذا غير مستغرب، لكن أن تلف دول كثيرة من المنطقة لفيف هؤلاء.. هذا ما لا يُفهم!

أولا، لا بد من إبانة الحق وكشف المستور، إن كان مستورا أصلا، فقطر لا تفوّت فرصة للدفاع عن حقوق العاملين فيها عامة، وعاملي المونديال تحديدا، وأقامت برامج وندوات لدعمهم، وسنّت قوانين لإنصافهم، وحاسبت المقصرين، ونادت وتنادي حتى الآن لصون معيشتهم وتحديد أجور تناسب جهودهم.

ومؤخرا قالت منظمة تدعى "فيفا ووتش"، وهي مستقلة ومعنية بمراقبة أخلاقيات ولوائح الفيفا؛ إن ما يُثار بشأن وفاة عمال خلال بناء منشآت كأس العالم 2022 في قطر، "شائعات مزعجة"، وشددت على أنّ وسائل إعلام بريطانية رفضت التحدث بإيجابية تجاه قطر، وأن ما وجدوه خلال جولات تفقدية يختلف عما تثيره تقارير الإعلام البريطاني.

ما الإصلاحات التي سنّتها قطر للدفاع عن العمال؟

سنت قطر قانونا بشأن تحديد الحد الأدنى لأجور العمال والمستخدمين في المنازل، وأجرت تعديلا على قانون تنظيم دخول وخروج الوافدين وإقامتهم. ويضبط القانون الحد الأدنى للأجر الشهري الأساسي للعمال والمستخدمين عند ألف ريال أو ما يعادل 275 دولارا أمريكيا.

كما تضمنت التعديلات تشديد العقوبات على أصحاب العمل في حال عدم الالتزام بسداد مستحقات العمال المالية، وشمل القانون الجديد تسهيل الانتقال بين جهات العمل بما يحفظ حقوق أصحاب العمل والعاملين لديهم.

وسوف يلغي التعديل الجديد شهادة "عدم الممانعة"، التي كانت تمنع العمال من تغيير وظائفهم إلا بالحصول على إذن صاحب عملهم. وبموجب القانون الجديد سيتمكن العمال من ترك وظيفتهم بتقديم إشعار مدته شهر واحد إذا عملوا لدى صاحب العمل أقل من سنتين، وشهران إذا عملوا لديه مدة أطول.

نعود إلى من "لفَّ لفيفهم".. خرج صحفيون من منطقتنا ونادوا بما نادت به بريطانيا والولايات المتحدة، وصاروا أكثر حرصا على العمال من العمال أنفسهم، ونادوا بحقوقهم وحرياتهم.. أظن أن حتى صحافة بريطانيا نفسها تفاجأت بهم.

لفَّ هؤلاء لفيف الرافضين لتطوير المنطقة، واغتنموا الفرصة للهجوم على جيرانهم لصالح أجندات خارجية.. أحترمهم جميعا، لكن أدعوهم لتثقيف أنفسهم استراتيجيا وسياسيا، وقراءة كتاب "تعلم كيف ترسم استراتيجيتك العشرية في 3 أيام"، الموجود بكثرة في السوشيال ميديا، ولكتّاب شتى.

أدعوهم لتغيير حبلهم السياسي، وربطه قليلا بالتطور الاستراتيجي للمنطقة، ثقافيا واقتصاديا.. والتعمق أكثر في التاريخ وعدم الاكتفاء بالتاريخ شبه المزيف الذي تعلمناه في مدارسنا.

إقامة مونديال على أرض عربية، حلم تحقق، أولا بالفوز بالاستضافة، وبعدها بجاهزية الملاعب، واليوم بحفل القرعة التاريخي.. وغدا بالاستضافة الناجحة.. من أراد الاستثمار في نجاح كهذا، فمرحَّب به على ما أعتقد، ومن لم يرد فلن تتوقف القافلة لأجله.

كنت أمنّي النفس باكتمال الحلم، بتأهل 8 منتخبات عربية لهذا المونديال، ولكن لكرة القدم قرار آخر، فلم يتأهل إلا 4 .. ولولا رمضان، لكنت أكملت ظنوني، وشهدت أن كرة القدم لفّت أيضا على لفيفهم!

شارك: