كاساس يتبغْدَد بإحساس الجمهور!
بحلول المدرب الإسباني خيسوس كاساس ضيفاً جديداً على العراقيين، بعد تسميته مدرّباً لـ"أسود الرافدين" لأربع سنوات مُقبلة، تكون الجماهير قد أزاحتْ همّاً كبيراً نجَمَ عن إهمال التعاقد مع مدرب منتخب العراق عقب الخروج من الأدوار النهائيّة لتصفيات كأس العالم قطر 2022 في مارس/ آذار الماضي.
8 أشهر في عُرف العلاقة المقطوعة بين لاعبي المنتخب العراقي والمدرب المؤجّل ما يعني أزمة فنيّة كبيرة تقوّض ثقتهم بأنفُسهم، وتُضعِف الانسجام بينهم، وتُربِك برنامج الاستحقاقات، وأقربها بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم الـ25، المؤمّل أن تقام في مدينة البصرة مطلع العام 2023، وهو ما لم يُبالِ له اتحاد كرة القدم، كعادة جميع هيئاته التنفيذيّة التي لا تفطِن لأهميّة التحضير الجِدّي إلا قُبيل انطلاق المنافسات بشهرين، وأقلّ من ذلك أحياناً، والشواهد المؤلِمة مُتعدّدة لا يطيق الإعلام والجمهور استذكارها!
أحّد عشر مدرّباً بالتَّمام والكمال اقترنت محطّات من مسيرتهم التدريبيّة بمنتخب العراق بداية من عام 2002؛ مع الألماني بيرند ستانج، ثم البرازيلي جورفان فييرا (2007)، والنرويجي إيغل أولسن (2008)، والصربي بورا ميلوتينوفيتش (2009)، والألماني فولفغانغ سيدكا (2010)، والبرازيلي أرثر أنتونيس كيومبرا المعروف بزيكو (2011)، والصربي فلاديمير بتروفيتش (2013)، والسلوفيني سريتشكو كاتانيتش (2018)، والهولندي ديك أدفوكات (2021)، والمونتينيغري زيليكو بتروفيتش (2022)، وأخيراً الإسباني خيسوس كاساس (اعتباراً من 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022)، فماذا كانت خواتيم العشرة؟
لم يفلح من سبَق كاساس في تحقيق معادلة صحيحة واحدة ضمن المساحة الفنيّة لقيادة عمليّات جمع اللاعبين برؤية واحدة في ملعب المباراة، وطرح سلبيّات سلوكيّاتهم الدفاعيّة والهجوميّة جانباً، وهي التي مهّدتْ لحزم حقائب المدرّبين فور وداع التصفيات أو النهائيّات لبطولات قاريّة وعالميّة وأولمبيّة، بدَّد من أجلها الاتحاد -على مَرِّ حُقبهِ- ما لا يقلُّ عن عشرة ملايين دولار، عدا مبالغ الشرط الجزائي لثلاثة مدربين؛ أولسن وفييرا وزيكو، وكُلّهم عادوا الى ديارهم بحقائب مليئة بالأموال، لكنها خاوية من أية كؤوس أو ميداليات تُعظِّم فخرهم ألف ليلة وليلة، باستثناء إنجاز آسيا 2007، الذي نَسَبَ فيه أكثر من مدرب وطني الدور الفعّال له، من خلال تهيئة اللاعبين ومنحهم الثقة وسط حَمّام الدماء في الشارع العراقي أيّام الاحتقان الطائفي المقيت عامي 2005 و2006، قُبيل أن يتسلّم فييرا مهمّته برهاوةٍ خلال 50 يوماً، ويصطحب منتخباً جاهزاً إلى موقعة جاكرتا!
حسناً فعل رئيس اتحاد كرة القدم عدنان درجال عندما دعا المدرب كاساس وأربعة من طاقمه المساعد إلى جولة استطلاعيّة في العاصمة بغداد بعد ساعات من وصوله فجر أمس السبت، ليتعرّف إلى واقع المدينة، ويتبغْدَد بأحاسيس جمهور الكرة الذي صبرَ طويلاً على هروب أغلب المدرّبين المُتعاقَد معهم من الحضور والإقامة والتعايش معه في أرض السلام، دون أن يأمَنوا على أنفسهم مثله، بدلاً من الاِنجرار وراء أكاذيب مُختلقة ومُغرِضة استهدفتْ -ولم تزل- إطالة زمن الحظر الدولي المفروض من الفيفا، تحت مُبرِّرات واهية لا ترقى إلى الخطورة على سلامة العراقيين وضيوفهم.
الجميع يترقّب بشغف شديد ماذا يُخبِّئ كاساس في حقيبته الفنيّة لأسود الرافدين؟.. وهو ينحدر من حضارة كروية تليدة في إسبانيا، التي تضمّ كبار مدربي أوروبا والعالم، لا سيّما الذين سطّروا أروع الحكايات في معارك اللعبة على مستوى قمم أوروبا أو كؤوس العالم، أمثال ميغيل مونوز، ولويس سواريز ميرامونتيس، وخافيير كليمنتي، وفيسنتي مييرا كامبوس، وخوسيه أنتونيو كاماتشو، وإيناكي سايز، ولويس أراغونيس، وفيسنتي ديل بوسكي (صاحب الإنجاز الفريد بالحصول على لقب كأس العالم 2010)، وسبق أن خاض كاساس تجربة لافتة كمساعد مع لويس إنريكي مدرب الماتادور حالياً، وعليه، نـأمل أن تكون نتائج عمله موازية لسُمعة وثقافة وتاريخ بلاده في اللعبة، وما اكتنزه على المستوى الشخصي من تحديثات عِلم التدريب لمساعدة لاعبي منتخب العراق في ثلاث مسائل مهمة؛ أولاً المحافظة على اللياقة البدنية، التي كثيراً ما خذلتهم، خلال شوطي المباراة، وثانياً فرض الأسلوب الخاص بهم على أي غريم، مهما كانت قوّته وأسلحته في وسط الميدان، وثالثاً تقريب المستويات الفنية المتفاوتة كثيراً بين المحترفين والمحلّيين.
تُرى هل يمكن القول إن الإعلام الرياضي العراقي ومعه الجمهور الواعي رَمَيَا تشاؤمهما في نهر دجلة مع عبور كاساس أحّد جسوره متوّجهاً إلى إقامته قبّالة شارع "أبو نؤاس" الخالد؟ صراحة كلا، فالخوف يأسر القلوب لئلا تنتهي أولى مغامرات المدرّب سريعاً، كحال سلفه، حين لا يتمكّن من إسعاد سندباد خليجي البصرة بعد 74 يوماً عبر الطير بكأسها الغائبة منذ 35 عاماً، حيث كانت المرّة الأخيرة التي يحتفي بها أبناء الرافدين يوم زفّ 70 ألف مشجّع سعودي رئيس اتحاد الكرة الحالي و"كابتن" المنتخب حينذاك مع زملائهِ أبطال النسخة التاسعة بهتافات "حيّو العراقي حيّوه" في ملعب "الملك فهد الدولي".
ثمّة أمر آخر مُقلِق بشأن مهمّة الرجل الغريب.. إيّاكم أن تدسّوا أنوفكم بين أوراقهِ الفنيّة، فضولاً أو قسْراً، للتأثير في قراراته، فما حصل من زجرٍ لمدرّبين أجانب ووطنيين بحجّة اِستعراض "عضلات" الاتحاد غير مقبول البتة، وكفى تلاعباً بمصير المنتخب الفاقِد أصلاً لاستقرار حِصص تعليمه الاحترافي؛ بسبب تعدُّد مدرّسيه الفنّيين، وسوء اختيار بعض المناهِج، وجهل فِكْر المُحاكاة وفلسَفة التعامل مع الخبرة الأجنبيّة!