كأس العالم للنفايات.. ليس جنونًا!

تحديثات مباشرة
Off
2023-04-24 14:16
مشجعة يابانية تقوم بإزالة القمامة من المدرجات في نهائيات كأس العالم لكرة القدم قطر 2022 (Twitter-NadeebQa)
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

تُجَسِّد البيئة بعدًا أساسيًا في حياة الإنسان لا غنى عنه على الإطلاق، بل إن الحياة نفسها تستحيل بدون البيئة التي تمثل المجال الذي تمارس فيه كافة أنشطتها، فحياة الإنسان ما هي إلا حوار متواصل مع البيئة، ومحاولة الفصل بين الوجود الإنساني والبيئة هي محاولة فاشلة.

إن كافة الفلاسفة الوجوديين يتفقون على أن دراسة الإنسان بعيدًا عن محيطه هي دراسة قاصرة ولن تضفي إلى معرفته معرفة جيدة، لأن المحيط يعتبر عنصرًا أساسيًا في تركيبة الإنسان الجوهرية وبدونه لن تقوم للإنسان قائمة (جان بول سارتر).

فتوعية الرياضيّين بضرورة حماية البيئة والمحافظة على التوازن البيئي والعناية بالتنمية المستدامة وترسيخها وزيادة الوعي والمسؤولية في البرامج الرياضية وارتباطها بالبيئة وحماية الطبيعة، إحدى المبادئ الأساسية للجنة الأولمبية الدولية؛ لأن لا رياضة رائدة بدون بيئة سليمة، وقد لاحظنا ذلك خلال تنظيم كأس العالم بقطر، حيث تصدرت "المحافظة على البيئة" قائمة أولويات مسؤولي الدولة الخليجية، الذين عملوا على تطوير منهجية خاصة لاعتماد أفضل الحلول لمعالجة النفايات وإعادة تدويرها، وذلك عبر طرح العديد من الحملات وبرامج التوعية، مما زاد كأس العالم بقطر نجاحًا وتألقًا رغم اللغط والصيحات المجنونة لأعداء تنظيم كأس العالم في قطر.

وفي السياق ذاته وبالتوازي مع بحث الدول عن حلول لأزمات القمامة بها، من مصانع لإعادة التدوير، أو البحث عن تكنولوجيا لإنتاج الطاقة من المخلفات، أطلقت اليابان اختراع شعبي يسمى الـ"سبوغومي" تمارسه منذ عام 2008، ولم يتوقف هذا الاختراع عن استخدامه داخل اليابان وإنما تطمح لتحويله لكأس عالم، وهو الخبر الذي احتفت به وكالات الأنباء العالمية.

فعنوان مقالي ليس به خطأ، وهو أيضًا ليس أُمنية يحلم بها العالم كُله؛ ولكنه حقيقة بدأت 2008 عندما تحولت فكرة جمع القمامة في اليابان إلى "لعبة شعبية"، ثم لمسابقة محلية ثم عالمية لتصبح كأس العالم للقمامة وتُدعى "سبوغومي"، وهي اختصار لكلمتي "سبورت" أي الرياضة و"غومي" تعني القمامة باللغة اليابانية.

وتتألف الفرق المشاركة من 3 إلى 5 لاعبين فقط، يحاولون التقاط أكبر قدر ممكن من القمامة في شوارع طوكيو في غضون ساعة ومحاولة فرزها بشكل صحيح في (أكياس ملونة) لكل نوع (نفايات قابلة للحرق، بلاستيك قابل لإعادة التدوير، علب معدنية، إلخ)، في فترة زمنية محددة وهي ساعة واحدة فقط.

عندما ينتهي الوقت سيتم فرز سلة المهملات والتحقق من الفرز المناسب، ويفوز الفريق الذي لديه أكبر وزن من القمامة.

في حالة التعادل يتم تحديد الفائز، حسب جودة سلة المهملات، مع منح النقاط حسب النوع.

ومن الواضح أنّ الهدف من إقامة بطولة كأس العالم لجمع النفايات يكمن في جَمع "الرياضة" مع "إزالة القمامة"، ولجعل الجميع يشاركون في الحد من انتشار القمامة، بمعنى أن مشكلة القمامة لن يتم حلها إلا إذا قَرر المجتمع بأسره التخلص منها.

ولهذا كان القرار بأنّ البطولة للجميع، ويمكن لأي شخص أن يفوز فيها من خلال العمل الجماعي والاستراتيجية بغض النظر عن العمر أو الجنس وهو ما يؤكد أنها مشكلة مجتمع وليست دولة فقط.

وعادةً ما تتلقى الفرق الفائزة شهادة أو كأسًا من المنظمين، وربما جائزة صغيرة من الرعاة.

وأعلنت اليابان إطلاق كأس العالم لجمع القمامة في  نوفمبر/ تشرين الثاني 2023.. وسيُمنح جامع أكبر عدد من أعقاب السجائر أعلى النقاط، وهو أكثر ما يميز المسابقة حيث تؤكد الدراسة أن فلترًا واحدًا من السجائر يُشكل خطورة على كل لتر من الماء، بالإضافة إلى أن أعقاب السجائر تُشكل عبئًا كبيرًا على المزارعين، ووجودها في التربة يسبب مشاكل للتربة مع مرور الوقت تعمل على زيادة نسبة الجفاف بالتربة، وكذا وجودها في المحيطات والبحار كارثة جعلت دولة مثل تايلاند تُصدر قرارًا يحظر التدخين على 20 من أهم الشواطئ السياحية فيها وسيواجه الأشخاص الذين ينتهكون قرار الحظر غرامات قدرها ثلاثة آلاف دولار والسجن حتى سنة.

فمسألة المحافظة على بيئتنا مسؤولية الجميع، فقد تلقى طالب جامعي يبلغ من العمر 22 عامًا من مينامي سوما بمحافظة فوكوشيما، الذي جمع القمامة في المباراة الافتتاحية للمجموعة الخامسة لبطولة كأس العالم قطر، بين اليابان وألمانيا، زهورًا وهدايا تذكارية من الفيفا.

قال الطالب: "أشعر بالغرابة عندما تلقيت جائزة لأنني لم أفعل شيئًا مميزًا.. إنها جزء من الثقافة اليابانية، وأريد أن أنشرها في جميع أنحاء العالم".

كما قام مشجعون مغاربة، بعد مباراة منتخبهم ضد المنتخب الكرواتي بتنظيف مدرجات ملعب البيت بعد نهاية المباراة التي انتهت بالتعادل السلبي.

وأظهرت مقاطع مصوّرة مشجعين من الجمهور المغربي يحملون أكياسًا بلاستيكية ويجمعون النفايات، ولفتت مبادرة المشجعين المغاربة الأنظار إليهم مع تداول المقطع الذي يرصدها على نطاق واسع، وقالت إحدى المشجعات: "عادات المغاربة وتربيتهم أن يتركوا أماكنهم نظيفة".

لكن للأسف نلاحظ أن هذه الثقافة أو بالأحرى التربية البيئية، يجب أن تكون مبدأ أساسيًا في حياتنا، فملاعبنا المغربية لا تحترم قطعًا هذه المبادئ الأساسية لمجتمع نظيف وسليم، أحب بيئتك وانشر فيها المحبة والسلام، توقف عن الأذى وانشر السلام والمحبة في كل من حولك، تجد الحياة أكثر روعة وجمال فما أعظم النظافة وما أجمل البيئة التي تمتلئ بالمحبة والسلام ويسعى سكانها لكي يجعلوها جنة جميلة ويعمروها بالمحبة والبناء والتعمير.

إن قضية إعادة صياغة مفهوم الوعي البيئي في نفوس وعقول الأفراد، هي الوسيلة الفعالة لحل مشكلات البيئة، فوجود أي خلل في جودة الفكر والثقافة سيؤدي بالضرورة إلى خلل في السلوك الإنساني تجاه الجوانب البيئية المختلفة، فلابد من معرفة الأسباب والعوامل التي تؤثر بصورة كبيرة ومباشرة في قلة أو زيادة الوعي البيئي، وتحديد الاتجاهات التي يجب أن نسلكها لرفع مستويات الوعي البيئي لدى أفراد المجتمع، وإيجاد أنسب المداخل الثقافية التي تساعد في تصويب الفهم ومن ثم السلوك البيئي.

إن ما لا يخفى على أحد أن أهم الأسباب في استمرار مظاهر الفهم البيئي غير السليم، هو أن المجتمع المحلي لا يعطي أهمية للعناية بالبيئة، بالإضافة إلى غلبة صفة اللامبالاة عند أفراد المجتمع في أفعالهم وسلوكياتهم، وانتشار العادات والتقاليد السلبية.

فإن من أبرز مظاهر هذا الخلل هو المبرر أو الفكرة التي من منطلقها يختار ويفضل الفرد السلوك السلبي على السلوك الإيجابي.

آخر الكلام: لا رياضة بدون بيئة سليمة مهما كانت اجتهاداتنا وطموحاتنا.

شارك: