فاروق شوشة... الشاعر الذي أبحر في لغة التعليق الرياضي!

تحديثات مباشرة
Off
2023-05-27 19:37
فن التعليق الرياضي حاز على اهتمام الخبراء والباحثين (Getty)
وسام كنعان
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

"منكسرًا أعدو إليك.. أشكو سراب رحلتي وغربتي ووحدتي، محتميًا بما لديك من أبوّتي، ولم يزل في صدرك الرحيب متسع وفي نفاذ الضوء من بصيرتك جلاء ظلمتي"، بهذه الرهافة الموغلة في الصدق الآسر يصف الشاعر والإعلامي المصري فاروق شوشة (1936/2023) والده. ويترك قلب متلقيه معلقًا بنصّه مستذكرًا عيون أبيه.

الرجل ولد في قرية اسمها الشعراء في محافظة دمياط، ولم يخيّب هذه الدلالة العالية، فكان فعلًا شاعرًا وإعلاميًا مرموقًا، درس العلوم والتربية، ثم تعيّن بإذاعة القاهرة وتدرّج فيها إلى أن ترأسها ما بين عامي 1994 و1997، فيما أصدر مجموعات شعرية وبعض الدواوين الخاصة بالأطفال.

ربما سيكون غريبًا على شاعر بهذا الحس، انصرافه نحو عشق عميق لكرة القدم على الرغم من هوسه باللغة العربية ولهجاتها. خاصة أنه استضاف في برنامجه «أمسية ثقافية» على الإذاعة أعلام الأدب المصري؛ مثل: طه حسين ونجيب محفوظ ويوسف إدريس وثروت أباظة إضافة لعدد من روّاد الثقافة والأدب في الجيل المصري المؤسس. مع ذلك لم يخفت حماسه يومًا تجاه كرة القدم، كونها الرياضة الأكثر شعبية في مصر والتي حققت حظوة لديه وجعلته ميالًا لأنواع بحث جديدة مرتبط باللغة العربية على وجه الخصوص. 

هكذا أمضى الرجل حياته مسكونًا بعشقه لمستديرة السحر، منطلقًا من فكرة القيمة المضافة التي تواكب مباراة كرة القدم وهي التعليق الذي قد يشغف المشاهد بصيغة موازية لشغفه بالمباراة ذاتها، وانطلاقًا من اهتمامه باللغة العربية ركّز شوشة أغلب اهتمامه على المعلقين ومفرداتهم ومنطق تعليقهم في المباراة.

فيما يلتقط الرجل ببراعته وبديهته الحاضرة دومًا تفوّق كرة القدم في مجال السياسة على كلّ السفراء وقدرتها على إنجاز ما تعجز عنه الحكومات‏،‏ كما يراها حرفة اقتصادية وسلسلة صفقات رابحة، وذروة مرتفعة من إدارة المال‏،‏ من هنا فقد تجاوزت حدود اللعب والمنافسة والمتابعة لتكون عالمًا خاصًا بها، وكرة القدم كما يقول شوشة: "في حياة الجماهير العريضة على مستوى العالم كله هي متعة وإثارة وانتماء وجنون وتعصب وأحزان وأفراح‏".

فيما أولى شوشة، بحسب دراسة للكاتب المصري أشرف عبد الشافي، اهتمامًا بليغًا لكتاب الدكتور محمد محمد داود أستاذ الدراسات اللغوية والخبير في مجمع اللغة العربية، ووضعه بين أيدي المهتمين كونه أوّل كتاب يربط مؤلفه بين كرة القدم واللغة. ويتقفى أثر بدايات التعليق الرياضي ويبحث في كيفية تطوره ويتوقف أمام نجومه ومشاهيره وكيف بدأ التعليق على مباريات كرة القدم اجتهاديًا، ونشأت الحاجة إليه مع اختراع الراديو، فأصبح تقديم الوصف التفصيلي للمباريات إلى جمهور المستمعين ‏جزءًا من الرسالة الإعلامية للإذاعة، وعندما ظهر التلفزيون أضاف الصورة إلى الصوت‏، وأخذ التعليق بعدًا جديدًا،‏ فقد أعفى المعلق من تقديم تفاصيل تغطي غياب الصورة في الإذاعة‏، لكن حمّله مسؤولية تقديم وصف ينسجم مع روح المباراة ويوازيها حماسًا،‏ دون الوقوع في مطب السطحية والبرود في أجواء مباراة قوية‏.

وعلى اعتبار أن العصب الذي يحكم منطق التعليق هو الارتجال، تماشيًا مع جزء من أسلوب اللعبة الذي يحتمل الكثير من المفاجآت، فإن المعلّق البارع هو من يقدر على تجسيد مرآة حقيقية لحالة المباراة في لغته وتعليقه ونبرة صوته وانفعالاته!

ويعتبر شوشة أن أوّل مدرسة للتعليق الرياضي ظهرت من خلال التلفزيون المصري، والتي ظهرت على يد شيخ المعلقين الكابتن محمد لطيف‏. ويرى أن دراسة كالتي قام بها الدكتور داود من شأنها الترويج للغة في مجال شائع؛ إذ إن جمهور كرة القدم يعد الأعرض في العالم قياسًا لأي مجال آخر.

فكلما اتسمت لغة المعلق بالصحة والسلامة والجمال واختيار الكلمات والتعابير الدقيقة كانت أكثر تحقيقًا لهذا الهدف اللغوي الرياضي المأمول‏. لذا فإن دراسة التعليق الرياضي من وجهة نظر شوشة تؤكد عظمة اللغة العربية ومرونتها وعصريتها واستيعابها كل جديد في مجالات الحياة المختلفة وقدرتها على التطور والوفاء باحتياجات العصر‏.

شارك: