عن نسبية كرة القدم وإقصاء الجزائر من المونديال

2022-05-16 19:54
نهاية دراماتيكية شهدتها مباراة الإياب بين الجزائر والكاميرون في الدور الحاسم من التصفيات الإفريقية (Getty)
إسماعيل أحمد
الفريق التحريري
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

ليس هناك شيء ثابت في عالم المستديرة الذي يقدم صورة لطبيعة الحياة في عالم الكرة الكبيرة الزرقاء المستديرة، الأشياء نسبية ومن الممكن أن تتغير في لحظة واحدة من النقيض إلى النقيض.

كتاب الحكمة الصيني الشهير "التاو" يلخص لنا الحقيقة السابقة في هذه القصة:

فقدَ فلاح صيني حصانه الوحيد الذي يساعده في أعمال الحقل، فجاء جيرانه لمواساته قائلين: أي شر أصابك! فهز الفلاح رأسه قائلا: ربما، من يدري! في اليوم التالي، عاد الحصان إلى صاحبه ومعه ستة جياد برية أدخلها الفلاح إلى حظيرته، فجاء جيرانه يهنئونه قائلين: أي خير أصابك! فهز الفلاح رأسه قائلا: ربما، من يدري!

في اليوم الثالث أخذ الابن الوحيد للفلاح أحد الجياد البرية وامتطاه، لكن الجواد رماه فوقع أرضا وكُسرت ساقه، فجاء الجيران لمواساة الفلاح قائلين: أي شر أصابك! وللمرة الثالثة، هز الفلاح رأسه قائلا: ربما، من يدري! وفي اليوم الرابع جاء ضابط التجنيد ليأخذ شباب القرية إلى القتال، فأخذ من يصلحون للخدمة العسكرية وأعفى ابن الفلاح، فجاء الجيران إلى أبيه يهنئونه قائلين: أي خير أصابك! فأجاب الفلاح برده المعتاد: ربما، من يدري!

ما حدث في الدقائق الأخيرة من مباراة الإياب بين الجزائر والكاميرون، يُعد خير مثال لجنون الساحرة المستديرة ونسبية الأشياء فيها وتقلبها وعدم دوامها على حال، تماما كما هي الحياة، بكى الجزائريون من شدة الفرح احتفالا بهدف أحمد توبة، ثم بكوا حتى الإغماء بعد لحظات.

عاشت الجماهير الجزائرية أجواء تُحسَد عليها من النشوة والاحتفال بالإنجازات التي سطرها "محاربو الصحراء" في كأس أمم إفريقيا مصر 2019 وفي كأس العرب FIFA قطر 2021، ثم جاءت اللحظة التي لا مفر منها في حياتنا التي تتراوح ما بين صعود وهبوط، وكان السقوط المدوي في نسخة الكاميرون 2021، ولم يكد "الخضر" يستفيقون من هذه الصدمة حتى جاءتهم صاعقة الإقصاء من المونديال.

ما حدث للجزائر في "كان الكاميرون" يشبه ما حدث لمنتخب فرنسا الذي دخل مونديال كوريا واليابان 2002 منتشيا بلقب "بطل العالم وبطل أوروبا والقارات"، وكان أحد أبرز المرشحين للفوز بكأس العالم، لكنه صدم متابعيه بتوديع البطولة من دور المجموعات.

وما حدث للجزائر أمام الكاميرون في فاصلة المونديال، يشبه أيضا ما حدث لمنتخب إيطاليا الذي انتزع كأس اليورو من مخالب الأسد الإنجليزي في "ويمبلي"، ثم سقط على أرضه في اللحظات الأخيرة من مواجهة مقدونيا الشمالية في الملحق.

لكن المنتخبات الكبيرة، هي التي لا ينال منها اليأس وتعود أقوى بعد كل كبوة، ولا يدخلها الغرور مطلقا، وبذلك تبقى في القمة لأقصى فترة زمنية ممكنة، وهناك العديد من النصوص الدينية والأدبية التي تعبر عن هذه الفكرة؛ إذ نجد في القرآن الكريم: ﴿لكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ ۗ وَالله لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور [سورة الحديد: 23]، وهناك أيضا الشاعر النابغة الذبياني الذي وصف الغساسنة ملوك الشام بقوله:

ولا يحسبونَ الخيرَ لا شرَّ بعدَهُ      ولا يحسبونَ الشرَّ ضربةَ لازِبِ

"ضربة لازب": أمر حتمي لا مفر منه.

في عالم الساحرة المستديرة وفي حياتك أيضا من الممكن أن يحدث أي شيء، لكن أسوأ ما يمكن أن يحدث لك هو الزهو والغرور بعد الانتصار، أو الاستسلام بعد الإخفاق.

شارك: