عزيزتي منيرة رمضان
عزيزتي منيرة، دعيني أقدمك لأصدقائي القراء وتحدثيهم كيف فعلت كل ذلك؟!!
في منتصف سبعينيات القرن الماضي، ظهرت هكذا دون وفد مقدمة في الوسط الرياضي السوداني، شابة في مقتبل العمر تمتهن مهنة تحكيم مباريات كرة القدم للرجال التي اعتاد الناس أنها حكر على الرجال، كما هو الحال في معظم بلاد العرب والأفارقة آنذاك.
أول امرأة سودانية تعمل حكم كرة قدم في الدرجة الأولى، عزيزتي أستميحك أن أعود بالسادة القراء كثيرًا إلى الوراء، لأسرد سِفرك الرياضي الناصع وأشركهم معنا في استيعاب كل تلك النجاحات غير المسبوقة لسيدة سودانية سابقة لعصرها مثلك.
دعوني يا سادة أقدم لكم سيرة المغفور لها -بإذن الله- الكابتن منيرة رمضان أبكر محمد ورشة، رائدة التحكيم النسائي في السودان، من مواليد مدينة أم درمان عاصمة السودان الثقافية في حي العباسية العريق عام 1955، بدأت نشاطها الرياضي في عام 1970 وحصلت على دبلوم التربية الرياضية من المعهد العالي للتربية الرياضية في الخرطوم عام 1981 وكانت أول امرأة ترتاد مجال التحكيم في أفريقيا والعالم العربي.
حتى سبعينيات القرن الماضي ورغم ظهور ملامح الدولة السودانية الحديثة؛ لكن ظل المجتمع السوداني يدور في حلقة القبلية التي تضع المرأة في خانة أقل من الرجل وتفرض عليها العمل في مواقع محددة كالتدريس والتمريض؛ لكن عزيزتنا منيرة اقتحمت المجال الرياضي الذي كان بالطبع حكر على الرجال وبرعت فيه. ستصيبكم الدهشة لو علمتم أن منيرة لم تكن حكم كرة قدم فقط؛ لكنها قبل أن تلج مجال التحكيم كانت أول فتاة سودانية تشترك في سباقات المئة متر ورمي القرص والجلة، ومثلت السودان في محافل كثيرة وكانت بطلة السودان في رمي القرص والجلة في الدورات المدرسية والشبابية والمحلية والعالمية، وأيضًا نالت شهادة التدريب والتحكيم في كرة السلة بالسودان .
يتميز حي العباسية الذي نشأت به منيرة رمضان بالعديد من مشاهير السودان في الفن والمسرح والرياضة، اشتهر الحي العريق بتمرد الشباب من الجنسين ومتابعتهم لموضات الأزياء العالمية في كل من باريس وإيطاليا وانفتاحهم على موسيقات العالم كموسيقى الجاز والريقي، وتأثروا أيما تأثر بتلك الثقافات وكانت قضية الحقوق والمساواة بين الجنسين من أهم المواضيع التي تتصدر نقاشاتهم وندواتهم وذلك كان الوسط الثقافي الذي نشأت فيه عزيزتنا منيرة.
من النساء اللواتي اشتهرن في حي العباسية الأستاذة فاطمة أحمد إبراهيم أول امرأة عضو مجلس نواب على المستويين الأفريقي والعربي والتشكيلية العالمية سعدية الصلحي وبالطبع منيرة رمضان، وأخيرًا سلمى الماجدي أول امرأة مدربة لكرة قدم الرجال في أفريقيا والشرق الأوسط والثانية عالميًا بعد البرتغالية هيلينا كوستا.
وجّه صحفي لمنيرة في أحد اللقاءات الصحفية سؤالًا عن موقف طريف حدث لها إبان عملها كحكم كرة قدم للرجال، قالت: "كنت يومًا أحكم مباراة في دوري الدرجة الأولى بالخرطوم، وحدثت مشاجرة بين لاعبين، وكنت أحاول تهدئة الموقف، فجاء لاعب ثالث وخاطب اللاعبين المتشاجرين قائلًا (يا جماعة الكلام ده عيب عليكم، ما شايفين معانا وَلِيَّة هنا في الميدان ده؟!). كلمة (وَلِيَّة) في العامية السودانية تعني امرأة والأخلاق الرجالية السودانية تمنع الشجار أمام النساء.
هاجرت منيرة رمضان إلى المملكة العربية السعودية وعملت معلمة في مدينة جدة ثم تزوجت هناك من مواطن سعودي الجنسية، وبعد وفاته تزوجت ثانية من سعودي أيضًا وكانت تقيم في مكة، وذكرت في أحد اللقاءات الصحفية التي أجريت معها عن أن رياضتها الحالية هي المشي من منزلها وحتى الحرم المكي الشريف وأردفت ضاحكة: "يعني رياضة وعبادة في الوقت ذاته".
أعزائي، غيب الموت في مارس/ آذار 2021، أول امرأة سودانية عملت حكمًا لكرة القدم للرجال وأول بطلات سباقات 100 متر، نسأل الله لها الرحمة والمغفرة، لتقديمه لنا نموذج المرأة السودانية الرياضية المتميزة التي شجعت النساء السودانيات لولوج مجال الرياضة والتميز فيه.