ديربي الترجي والإفريقي.. تعددت الحلقات و"الإخراج" واحد!
طُويت صفحة ديربي الترجي والإفريقي في نسخة جديدة "قاتمة" من عرس الكرة التونسية، عرفت الجديد على مستوى المحصلة النهائية، ولكنها أعادت تكرار السناريو المرير والممل، الذي ضاقت كل جماهير الكرة في تونس به ذرعًا.
وبالعودة إلى إطاره العام، فإنّ الديربي العاصمي صبّ في مصلحة الترجي الذي اقترب من استعادة لقب الدوري التونسي، حيث يحتلّ حاليًّا صدارة مرحلة التتويج برصيد 20 نقطة، وبفارق 5 نقاط عن ملاحقه الاتحاد المنستيري، الذي سيكون منافسه في الجولة المقبلة بعد انقضاء التوقف الدولي، إذ سيكون فريق "الدم والذهب" بحاجة إلى نقطة يتيمة لحسم أمر البطولة، قبل جولتين من ختامها.
ديربي الترجي والإفريقي.. تختلف النتيجة والواقع واحد
بعيدًا عن نتيجة المباراة وهوية المستفيد منها، فإنّ الصورة التي قُدّمت عشية أمس الأحد على ملعب الراحل حمادي العقربي برادس، كانت حُبلى بصور القتامة التي تجسّد واقع الكرة التونسية المريض.
مستوى فنّي متوسط للغاية بمقياس "دربيات الأجوار".. توقفات بالجملة.. لعب متقطع.. مقذوفات من كل حدب وصوب.. إصابات.. دماء.. غازات مسيلة للدموع.. حروب في المدرجات بين جماهير الفريق الواحد.. غيض من فيض الديربي والملاعب التونسية عمومًا، والذي بات الجميع عاجزًا على تفسيره وفكّ طلاسمه.
مشاهد مؤسفة وتصدير لصور مخجلة.. لا يدفع إلا لتساؤل وحيد تبقى الإجابة عنه خاضعة لاجتهادات المتابعين.. على أي أساس يرفع الاتحاد التونسي لكرة القدم سقف طلباته عند التفاوض على حقوق بيع "دوريه المحترف"؟
أمسية صعبة لضيف عراقي
لم يكن الحكم أحمد كاظم قاطع، الذي وُكّل بإدارة ديربي الترجي والإفريقي مدركًا بأنه سيكون على موعد مع أمسية صعبة للغاية، كان فيها هو الآخر ضحية للأجواء المشحونة، حيث كان مركز اهتمام اللاعبين والجماهير والمسؤولين على حد سواء.ولم يسلم الحكم العراقي من مقذوفات القوارير عند لجوئه إلى الـ"VAR" للتثبت من ركلة جزاء لنادي "باب الجديد"، ثم حُمّل مسؤولية عدم تطبيق القانون، بعدم إيقافه المواجهة نظرًا لكثرة التوقفات، وهو ما أثّر في صافرته التي شابها الاضطراب في مواقف عدة.
وبرغم أنّ تقرير أحمد كاظم حمل العديد من النقاط المتعلقة بما حدث في القمة، إلاّ أنه لم يلتزم حسب احتراز فني رسمي قدّمه فريق الترجي بعد المواجهة، بتطبيق الفصل 50 من المجلة التأديبية الخاصة بالاتحاد التونسي للعبة، الذي ينص على أنّه "في صورة توقف المباراة لفترة تتجاوز 5 دقائق جرّاء أحداث يتسبب فيها الفريق المنافس، فإنه يتم إيقاف اللقاء بشكل نهائي، ويعد الفريق المتسبب في الأحداث منهزمًا".
الشغب.. مرض يواصل نخر الكرة التونسية
الجماهير هي المقوم الأساسي لإنجاح أي مهرجان كروي، وهي أيضًا المحدد الرئيسي لإفشاله، فتشجيعها في كنف الروح الرياضية والتزامها بالضوابط والقوانين، مع تفعيل دورها الريادي في إيصال الرسائل الهادفة، كما حصل في بداية ديربي الترجي والإفريقي يوم أمس، كل هذا من صميم هويتها كجماهير، غير أنّ ما يزيد عن ذلك يدخل حتمًا في خانة العشوائية المقيتة، التي يمثّلها الشغب.
هذا الوباء الذي نخر وما يزال جسد الكرة التونسية، التي وبرغم اكتفائها بحضور جماهير الفرق المضيّفة فقط، فإنّ ذلك لم يعُد رادعًا لـ"مجموعات الجماهير كالألتراس أو الكورفا" التي بدأت تنهش نفسها من الداخل، وتفرز أمام المشاهدين أبشع الصور وأكثرها همجية.
رسالة نارية من كاردوزو.. لكل التونسيين!
مسلسل الشغب لم يمر مرور الكرام على مدرب "المكشخة"، البرتغالي ميغيل كاردوزو، الذي انفجر غضبًا في المؤتمر الصحفي بعد ديربي الترجي والإفريقي، واصفًا أحداث رادس بأنّها "مروّعة"، لا سيما بعد إصابة مساعده الأول فابيو فيرنانديز الذي سالت الدماء من رأسه، مضيفًا في رسالته النارية التي جاءت موجّهة لكل التونسيين: "ما حدث اليوم أبعد ما يكون عن كرة القدم. من الممكن أن يكون أي شيء آخر إلاّ كرة قدم. كرة القدم هي مظهر من مظاهر الحياة لا الموت".وتابع مدرب الترجي: "لم نأت إلى تونس لنعيش لحظات كهذه. من المؤسف جدًّا ما رأيناه، ليس لي وإنما للاعبين وللاتحاد التونسي لكرة القدم، الذي سمح لمباراة كهذه بأن تتواصل حتى نهايتها. ليس من الممكن أن نلعب مباراة مليئة بالغازات المسيلة للدموع وأمام حرب في المدرجات.. هذا كثير جدًّا".
واختتم: "نتحدث عن ما يجري في بلدان أخرى، ومن ثمّ نقوم بحرب مماثلة في المدرجات. هذا غير ممكن. لقد عايشت الحرب عندما كنت في أوكرانيا عام 2013، ولست مستعدًا لتكرار نفس التجربة المرعبة. لست سعيدًا سوى بنتيجة اللقاء لا غير، لأننا جئنا هنا لكي نلعب مباراة لا لكي نموت. الآن سننتظر مباراة منتخب تونس المقبلة (في تصفيات المونديال) علّنا نشاهد كرة قدم طبيعية".
كلمات كاردوزو جاءت لتفتح الأعين وفق زاوية أكبر، على واقع مرير ومريض تعاني منه الكرة التونسية منذ سنوات خلت، على أمل أن يتحلّى مسؤولو الكرة هناك بالشجاعة لتغيير الواقع، والتطلع إلى المستقبل بجرعة -ولو قليلة- من التفاؤل.