ديباي.. الهدف الاستثنائي

2022-12-04 19:16
اللاعب الهولندي ممفيس ديباي أسهم في فوز منتخب بلاده في مواجهة ثمن النهائي على منتخب الولايات المتحدة (Getty)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

هدف الهولندي ممفيس ديباي في مرمى المنتخب الأمريكي استوفى كل شروط الهجمة التكتيكية الناجحة، بداية من تدوير الكرة، مرورًا بالتحركات غير المرئية للاعبين، ونهاية بالحس التهديفي الرفيع لديباي الذي وضع الكرة في الشباك الأمريكية بدقة من يقذف الكرة بيده.

ورغم أن هذا الهدف نتاج تحولات تكتيكية سريعة وخاطفة وخداع فني على مستوى التموية وممارسة الضغط المتقدم من الخلف للأمام، إلا أنه للأسف الشديد لم يحظَ بربع الضجة الإعلامية التي حظي بها هدف الأرجنتيني ليونيل ميسي في شباك منتخب أستراليا.

إذا تجرد كل فني أو محلل من ميوله وتعاطفه وتعصبه وتعاطى مع هدفي ديباي وميسي بعين العقل، سينصف هدف الهولندي وسيضعه في مكانة خاصة باعتباره الهدف النموذجي الاستثنائي الذي ينتصر للكرة الجماعية القائمة على التحركات الفردية والجماعية، ولأنه أيضًا هدف لا يتكرر كثيرًا في ملاعب الساحرة المستديرة فمن الطبيعي أن يحتل الريادة حتى إشعار آخر. 

لا شك أن هدف ميسي في مرمى أستراليا فيه ذكاء لاعب يحسن التصرف في مساحة -ولو بدت لنا في حجم علبة الكبريت-، غير أن هذا الهدف احتاج من ميسي إلى حظ وتوفيق كبيرين لكي تتخطى الكرة المركزة غابة من الأرجل الأسترالية. 

أعيدوا البصر كرّتين وتجردوا من التعصب لليو وللأرجنتين وسترون الفوارق كبيرة بين الهدفين سواء من حيث المجهود الجماعي أو من حيث طريقة الإنهاء المدهش للهجمة.

في هدف ديباي تشعر أن أنفاس الكرة الهولندية الشاملة حاضرة بقوة، وبقليل من التمحيص في استراتيجية الهدف سنجد كل شيء متوفر وبسلاسة مثيرة للانتباه.

عندما سئل لويس فان غال، مدرب الطاحونة الهولندية، عن الهدف لم يسهب في شرحه، و لم ينسبه لعبقرية طريقته في اللعب، فقط ابتسم قائلًا: "إنه هدف لا يخرج عن منظومة كرة القدم". 

إجابة فان غال وإن بدت لبعض الهواة غامضة ومبتسرة إلا أنها بالنسبة لفنيين ومحللين يمتلكون قرونًا استشعارية عن بعد واضحة وضوح الشمس في رابعة نهار مدينة الدوحة. 

ترى ماذا يقصد فان غال بإجابته المقتضبة عن هدف ديباي؟
ببساطة فان غال يقصد بمنظومة اللعب، الأسباب الخفية التي لا يراها بوضوح إلا من يمتلك حدسًا رفيعًا في مجال الحذق التدريبي.

وبعيدًا عن الغموض الذي يكتنف مصطلحات التدريب، ففان غال يقصد أن هدف ديباي نموذجًا للعب الجماعي الذي اجتمعت فيه الشروط التكتيكية التالية:

  • خروج لاعبي هولندا من الضغط الرهيب للاعبي المنتخب الأمريكي بسلاسة لافتة للنظر.
  • التدفق الانسيابي للاعبي الوسط، مما أدى إلى إحداث الزيادة العددية التي نتج عنها ارتباك وتشتيت تركيز لاعبي أمريكا. 
  • المساندة المحسوبة طولًا وعرضًا، وهو عمل مهم يؤدي إلى تحرير المساحات وخلخلة منظومة الخصم الدفاعية.
  • سرعة تغيير إيقاع اللعب، بداية من تدوير الكرة برتم منخفض، ثم رفع الرتم عند ضمان التدفق العددي.
  • سرعة التنفيذ وما صاحبها من تحولات خاطفة على مستوى كشف ملعب الخصم والانتقال السريع إلى عملية المباغتة من حيث لا يتوقع الخصم.


مسك الختام:

هدف ليونيل ميسي لم يكن خلاصة لعمل تكتيكي جماعي منظم ومؤطر، لكنه عمل فردي بحت تجلت فيه موهبة ميسي الاستثنائية مع نسبة محترمة من الحظ والتوفيق، أما هدف ديباي ففيه من التحركات الجماعية والفردية ما يستدعي تخصيص استديو تحليلي شامل للوقوف أمام تداعيات دروسه.

شارك: