دوري "مرجان أحمد مرجان"!

2023-01-28 16:12
لقطة من مواجهة الأهلي والزمالك في الدوري المصري 2022-23 (facebook/ Officialahlysc)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

كان الله في عون كل مصري غيور على سمعة الكرة المصرية، وكان الله في عون كل متطلع لإثبات أنه بالإمكان أفضل مما كان.

مَن يتابع ما يجري من مظاهر السلوك غير الرياضي وغير الأخلاقي في أماكن ومواقف كثيرة من منافسات الدوري المصري الممتاز، سيلاحظ بمنتهى البساطة كيف أن خيبة بعض الناس السبت والأحد، وخيبة من يقذف ويقصف ويشتم بلسانه المتبري منه لا تخطر على بال أحد.

وليس عندي من التفاصيل أكثر من تلك الفيديوهات المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي الخادشة للحياء والمؤذية للذوق العام، وهي فيديوهات فيها من التجاوزات ما يوحي أنه لا مفترق طرق بين الإساءة المتعمدة والشتيمة المبرمجة.

قد يقول أي مشجع أهلاوي أو زملكاوي ابتلي بمشاهدة (بلاوي) دوري (مرجان أحمد مرجان) المليء بالعبث والشتائم والانفعالات الفارغة: و ما الجديد في طرحك؟ ففي الواقع نحن نعيش في وسط رياضي موبوء، قلة الأدب فيه حاجة عادية طالما أصبحت كرة القدم المصرية ضحية لضغوط (خفية) تتقاطع مع مفاهيم الروح والأخلاق الرياضية.

نعم، قد يتفق الأهلاوي الوقور والزملكاوي الغيور على أن كرة القدم المصرية تحتضر أخلاقيًّا، طالما وقد أصبحت أبوابها مفتوحة على مصراعيها لتدخلات (فوقية)، ونوافذها مشرعة لمزاج شخص غريب الأطوار يعبد أطماعه ويقدس النفس الأمّارة بالسوء، فيشتم ويسب ويسفك دماء شرف التنافس الرفيع ولا يجد مَن يوقفه عند حده، أو يسأله عن "ثلث الثلاثة كم"؟!

لقد تفاقمت بذاءات فارس دوري (مرجان أحمد مرجان) بصورة فاضحة، حتى تحولت إلى هجمات مرتدة تحريضية، وانفعالات مجنونة (مشخصنة) تداعت لها (الديكة) المتطلعة لإفساد فجر الكرة المصرية الضائع أصلًا، والنتيجة أن نهار التنافس الشريف لم يطلع، وشمس إحقاق الحق مستترة إلا من رذاذ انفعالات وشتائم وتجاوزات (اللهو الخفي).

لقد كنا إلى وقت قريب نفخر ونفاخر بانضباط منافسات الكرة المصرية، ونتخذ من لوائحها نموذجًا تحتذي به مسابقاتنا، ونستلهم من شعارها (خلي عندك روح رياضية) قانونًا يفرمل الأعصاب المشدودة، لكن كل تلك المحاسن توارت خجلًا وكسوفًا أمام (عنترية) رجل لا يربط لسانه من (لغلوغه)، جعل من الروح الرياضية مستحيلًا رابعًا بعد الغول والعنقاء  والخل الوفي.

وفي زحمة ضياع العقول وحضور الأطماع وغياب مبدأ الثواب والعقاب ونسيان أن الرياضة فن وأخلاق قبل أن تكون فوزًا ونقاطًا، شاهدنا الكثير من فقرات الكوميديا الفاقعة، منها ضرب تحت الحزام دون وازعٍ من دين، ومنها اتهامات مخيفة مشبعة بشتائم مؤذية للأذن ومنافية للأخلاق.

الجديد خالص أن تهديد ووعيد وسباب وشتائم "اللهو الخفي" طارت بقدرة قادر من بلاد النيل إلى أن حطت ضيفًا ثقيلًا على صدر كبريات الصحف الأوروبية المتخصصة وغير المتخصصة.

وإذا كان شر البلية ما يضحك، فإن أكثر درجات الشر أن (اللهو الخفي) تمادى هذه المرة، فنقل لسانه من الهوى المصري إلى الهوى الإنجليزي من دون أن يضع في اعتباره أن بيتر كلاتنبيرغ ليس طائرًا مصريًّا يؤكل لحمه دون رد فعل عنيف للغاية.

عندما يخرج أحدهم من السفارة البريطانية في القاهرة ليؤكد أنهم بصدد رفع دعوى قضائية ضد رئيس نادٍ وقناة خاصة على خلفية الكم المهول من الإساءات التي تعرض لها الخبير التحكيمي كلاتنبيرغ، فهذا منحنى خطير يشير إلى أن (تدويل) القضية التي ستكون لها آثار وخيمة على سمعة الكرة المصرية.

مشاكل الكرة المصرية وما يصاحبها من ألعاب دراكولية تشعبت وتفاقمت في ظل اتحاد كرة سلبي يهرب من شر مواجهة الأزمات والخلافات تارة بالطبطبة، وتارة أخرى برفع شعار (بوذا): لا أرى، لا أسمع، لا أتكلم.

وكنت أظن -وبعض الظن ليس إثمًا هنا- أن مشكلة الخبير التحكيمي بيتر كلاتنبيرغ ستبين للاتحاد الغيّ من الرشد بعد تصعيد أزمته إلى محكمة (الفيفا)؛ لكن الاستقالة الجماعية التي لوحت بها لجنة الانضباط بحجة أن الأعضاء لم يجدوا الحماية الكافية من اتحاد الكرة إزاء ما يتعرضون له من هجوم مفتعل، أكدت أن أسوأ أيام الكرة المصرية لم نعشها بعد.

وبنظرة انغماسية في متاهة ما يحدث للكرة المصرية من أزمات مصطنعة نجد أن وسائل الإعلام المصرية بمختلف توجهاتها تلعب دور مستصغر الشرر، فالطرح المتعصب سائد وطاغٍ على المشهد المحتقن جماهيريًّا، وإذكاء نار الخلافات وتأجيجها بخطاب متشنج خطر محدق كفيل بإيقاظ كل شياطين الفتنة النائمة. 

ليس في مصلحة الكرة المصرية جذبها وشدها إلى (ترعة) تصفية الحسابات وتدويل قضايا دوريها الممتاز بهذه الصورة المسيئة إلى بلد حضارة السبعة آلاف عام.

ليس من الحكمة في شيء أن يقدم اتحاد الكرة نفسه على أنه مجرد (تابع) يقف موقف المتفرج من كل هذه التجاوزات التي ضربت باللوائح عرض الحائط. 

وأسوأ ما في اتحاد الكرة هذا التنافر الواضح بين توجهات الأعضاء، فكل عضو يراعي مصلحة ناديه فقط، ويدين بالولاء للبطن التي لا تشبع والنفس التي لا تقنع، ولعل هذه الممارسات الضيقة في المحتوى والخطيرة في المبتغى تمخضت عن عمل ارتجالي تغيب عنه كل مفاهيم ومعايير الإدارة المحترفة.

يبدو حاضر الكرة المصرية قاتمًا ومستقبلها يبشر بما هو أكثر من حرب تكسير العظام، وعندما يقول الكابتن سيد عبد الحفيظ مدير الكرة في النادي الأهلي إن عودة سياسة (الاحتواء) التحكيمية وشيكة، فهذا الهمز أو الغمز يشير إلى أن إخراج كلاتنبيرغ من غرفة ضبط بوصلة قضاة الملاعب دليل على أن القادم أدهى وأمرّ على الأهلي.

تتعاطى الكرة المصرية الغرائب بطريقة درامية فيها خليط من البكاء والضحك، فهذا كلاتنبيرغ نفسه يعترف بأنه تعرض لضغوط لأجل إرضاء نرجسية (اللهو الخفي) بتحديد حكام على ما تشتهي نفسه، وهذا سيد عبد الحفيظ  مرة أخرى يؤكد أن الحكم الدولي أمين عمر أشهر الكارت الأصفر في وجهه في مباراة الأهلي والبنك الأهلي على خلفية تصفية حسابات خاصة لا تمت لاحتجاجه على قراراته بأي صلة.

مهم جدًا أن يضع رجال الإعلام الرياضي المصري علاقتهم بالأندية والاتحاد في إطارها المعرفي القائم على الندية والمصداقية وليس التبعية الانهزامية، والأهم أن يقوم رجال الإعلام بدور التوجيه والتنوير وممارسة النقد الهادف والبناء بشفافية دون خوف من فرسان (اللهو الخفي) الذين يدمرون أخلاقيات التنافس الشريف، بحجة أنهم رموز الفضيلة في مصر
 

شارك: